كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

نسب الفرزدق وأخباره وذكر مناقضاته

صفحة 188 - الجزء 21

  / قال: وقال غير الحرمازيّ: إن ابن الزبير قال للفرزدق: جئني بصداقها وإلا فرّقت بينكما، فقال الفرزدق:

  أنا في بلاد غربة فكيف أصنع؟ قالوا له: عليك بسلم بن زياد، فإنه محبوس في السجن يطالبه ابن الزبير بمال، فأتاه فقصّ عليه قصته قال: كم صداقها؟ قال: أربعة آلاف درهم، فأمر له بها وبألفين للنفقة، فقال الفرزدق:

  دعي مغلقي الأبواب دون فعالهم ... ولكن تمشّي بي - هبلت - إلى سلم⁣(⁣١)

  إلى من يرى المعروف سهلا سبيله ... ويفعل أفعال الرجال التي تنمي⁣(⁣٢)

  قال: فدفعها إليه ابن الزبير، فقال الفرزدق:

  هلمّي لابن عمك لا تكوني ... كمختار على الفرس الحمارا

  قال: فجاء بها إلى البصرة - وقد أحبلها - فقال جرير في ذلك:

  ألا تلكم عرس الفرزدق جامحا ... ولو رضيت رمح استه لاستقرّت⁣(⁣٣)

  فأجابه الفرزدق، وقال:

  وأمّك لو لاقيتها بطمرّة ... وجاءت بها جوف استها لاستقرّت⁣(⁣٤)

  وقال الفرزدق وهو يخاصم النوار:

  /

  تخاصمني وقد أولجت فيها ... كرأس الضّبّ يلتمس الجراد⁣(⁣٥)

  / قال الحرمازيّ: ومكثت النّوار عنده زمانا، ترضى عنه أحيانا، وتخاصمه أحيانا، وكانت النّوار امرأة صالحة، فلم تزل تشمئزّ منه، وتقول له: ويحك! أنت تعلم أنك إنما تزوجت بي ضغطة⁣(⁣٦) وعلى خدعة، ثم لا تزال في كلّ ذلك، حتى حلفت بيمين موثّقة، ثم حنثت. وتجنّبت فراشه، فتزوج عليها امرأة يقال لها جهيمة⁣(⁣٧) من بني النمر بن قاسط حلفاء لبني الحارث بن عباد بن ضبيعة⁣(⁣٨) وأمّها الخميصة من بني الحارث بن عباد، فنافرته الخميصة، واستعدت عليه فأنكرها الفرزدق، وقال: إنها مني بريء طالق وطلق ابنتها، وقال:

  إن الخميصة كانت لي ولا بنتها ... مثل الهراسة بين النّعل والقدم⁣(⁣٩)

  إذا أتت أهلها مني مطلَّقة ... فلن أردّ عليها زفرة النّدم⁣(⁣١٠)


(١) الخطاب لناقته ونحوها، مغلقي الأبواب: يجوز فيها فتح لام مغلق وكسرها، وعلى الأول، تكون من قبيل إضافة اسم المفعول إلى نائب فاعله، وعلى الثاني تكون من إضافة اسم الفاعل إلى مفعوله والفعال: الكرم وحسن الصنيع، هبلت: جملة معترضة بمعنى ثكلتك أمك أن لم تطعني.

(٢) تنمي: من نما الشيء الشيء بمعنى رفع قدره، والمفعول محذوف، أي تنمي أحسابها بمعنى تزيدها شرفا.

(٣) إضافة الرمح إلى الأست من باب التهكم والسخرية، ومن أسماء الذكر «رميح» كزبير.

(٤) الطمرة: الفرس السريعة العدو. يقول: لو ألقينا بالفرس في جوف است أمك لا تسع لها.

(٥) رأس الضب، يضرب بها المثل في الصلابة، يقال: حر يذيب دماغ الضب، لأن الضب لا يعيش إلا في الصحاري، ومن أمثالهم:

«حتى يؤلف بين الضب والنوق».

(٦) ضغطة: اضطرار.

(٧) في هج: «رهيمة».

(٨ - ٨) تكملة من «المختار».

(٩) الهراسة: نوع من الشوك، يقول النابغة:

فبت كأن العائدات فرشن لي ... هراسا به يعلى فراشي ويقشب

(١٠) في «النقائض»: أورد البيت على هذا النحو وهو أنسب: