نسب الفرزدق وأخباره وذكر مناقضاته
  / قال: وقال غير الحرمازيّ: إن ابن الزبير قال للفرزدق: جئني بصداقها وإلا فرّقت بينكما، فقال الفرزدق:
  أنا في بلاد غربة فكيف أصنع؟ قالوا له: عليك بسلم بن زياد، فإنه محبوس في السجن يطالبه ابن الزبير بمال، فأتاه فقصّ عليه قصته قال: كم صداقها؟ قال: أربعة آلاف درهم، فأمر له بها وبألفين للنفقة، فقال الفرزدق:
  دعي مغلقي الأبواب دون فعالهم ... ولكن تمشّي بي - هبلت - إلى سلم(١)
  إلى من يرى المعروف سهلا سبيله ... ويفعل أفعال الرجال التي تنمي(٢)
  قال: فدفعها إليه ابن الزبير، فقال الفرزدق:
  هلمّي لابن عمك لا تكوني ... كمختار على الفرس الحمارا
  قال: فجاء بها إلى البصرة - وقد أحبلها - فقال جرير في ذلك:
  ألا تلكم عرس الفرزدق جامحا ... ولو رضيت رمح استه لاستقرّت(٣)
  فأجابه الفرزدق، وقال:
  وأمّك لو لاقيتها بطمرّة ... وجاءت بها جوف استها لاستقرّت(٤)
  وقال الفرزدق وهو يخاصم النوار:
  /
  تخاصمني وقد أولجت فيها ... كرأس الضّبّ يلتمس الجراد(٥)
  / قال الحرمازيّ: ومكثت النّوار عنده زمانا، ترضى عنه أحيانا، وتخاصمه أحيانا، وكانت النّوار امرأة صالحة، فلم تزل تشمئزّ منه، وتقول له: ويحك! أنت تعلم أنك إنما تزوجت بي ضغطة(٦) وعلى خدعة، ثم لا تزال في كلّ ذلك، حتى حلفت بيمين موثّقة، ثم حنثت. وتجنّبت فراشه، فتزوج عليها امرأة يقال لها جهيمة(٧) من بني النمر بن قاسط حلفاء لبني الحارث بن عباد بن ضبيعة(٨) وأمّها الخميصة من بني الحارث بن عباد، فنافرته الخميصة، واستعدت عليه فأنكرها الفرزدق، وقال: إنها مني بريء طالق وطلق ابنتها، وقال:
  إن الخميصة كانت لي ولا بنتها ... مثل الهراسة بين النّعل والقدم(٩)
  إذا أتت أهلها مني مطلَّقة ... فلن أردّ عليها زفرة النّدم(١٠)
(١) الخطاب لناقته ونحوها، مغلقي الأبواب: يجوز فيها فتح لام مغلق وكسرها، وعلى الأول، تكون من قبيل إضافة اسم المفعول إلى نائب فاعله، وعلى الثاني تكون من إضافة اسم الفاعل إلى مفعوله والفعال: الكرم وحسن الصنيع، هبلت: جملة معترضة بمعنى ثكلتك أمك أن لم تطعني.
(٢) تنمي: من نما الشيء الشيء بمعنى رفع قدره، والمفعول محذوف، أي تنمي أحسابها بمعنى تزيدها شرفا.
(٣) إضافة الرمح إلى الأست من باب التهكم والسخرية، ومن أسماء الذكر «رميح» كزبير.
(٤) الطمرة: الفرس السريعة العدو. يقول: لو ألقينا بالفرس في جوف است أمك لا تسع لها.
(٥) رأس الضب، يضرب بها المثل في الصلابة، يقال: حر يذيب دماغ الضب، لأن الضب لا يعيش إلا في الصحاري، ومن أمثالهم:
«حتى يؤلف بين الضب والنوق».
(٦) ضغطة: اضطرار.
(٧) في هج: «رهيمة».
(٨ - ٨) تكملة من «المختار».
(٩) الهراسة: نوع من الشوك، يقول النابغة:
فبت كأن العائدات فرشن لي ... هراسا به يعلى فراشي ويقشب
(١٠) في «النقائض»: أورد البيت على هذا النحو وهو أنسب: