كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

نسب الفرزدق وأخباره وذكر مناقضاته

صفحة 189 - الجزء 21

  جعل يأتي النوار وبه ردع الخلوق⁣(⁣١) وعليه الأثر فقالت له النّوار: هل تزوجتها إلا هداديّة - تعني حيّا من أزد عمان - فقال الفرزدق في ذلك:

  تريك نجوم الليل والشّمس حيّة ... كرام بنات الحارث بن عباد⁣(⁣٢)

  أبوها الذي قاد النّعامة بعد ما ... أبت وائل في الحرب غير تماد⁣(⁣٣)

  / نساء أبوهنّ الأعزّ ولم تكن ... من الأزد في جاراتها وهداد

  ولم يك في الحيّ الغموض محلَّها ... ولا في العمانيّين رهط زياد⁣(⁣٤)

  عدلت بها ميل النّوار فأصبحت ... وقد رضيت بالنّصف بعد بعاد⁣(⁣٥)

  قال: فلم تزل النوار ترققه، وتستعطفه، حتى أجابها إلى طلاقها، وأخذ عليها ألَّا تفارقه ولا تبرح من منزله، ولا تتزوج رجلا بعده، ولا تمنعه من مالها ما كانت تبذله له، وأخذت عليه أن يشهد الحسن البصريّ على طلاقها، ففعل ذلك.

  قال المازنيّ: وحدثني محمد بن روح العدوي عن أبي شفقل راوية الفرزدق قال:

  ما استصحب الفرزدق أحدا غيري وغير راوية آخر، وقد صحب النّوار رجال كثيرة، إلا أنهم كانوا يلوذون بالسّواري خوفا من أن يراهم الفرزدق، فأتيا الحسن فقال له الفرزدق: يا أبا سعيد، قال له الحسن: ما تشاء؟

  قال: أشهد أن النّوار طالق ثلاثا، فقال الحسن: قد شهدنا، فلما انصرفنا قال: يا أبا شفقل، قد ندمت، فقلت له: واللَّه إني لأظن أن دمك يترقرق، أتدري من أشهدت؟ واللَّه لئن رجعت لترجمن بأحجارك، فمضى وهو يقول:

  ندمت ندامة الكسعيّ لمّا ... غدت منّي مطلَّقة نوار⁣(⁣٦)

  ولو أنّي ملكت يدي وقلبي ... لكان عليّ للقدر الخيار

  وكانت جنّتي فخرجت منها ... كآدم حين أخرجه الضّرار⁣(⁣٧)

  وكنت كفاقئ عينيه عمدا ... فأصبح ما يضيء له النهار

  يخاصم كل من يمد يده لمساعدة النوار

  : وأخبرني بخبره مع النّوار أحمد بن عبد العزيز، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني محمد بن يحيى، عن


إن تأت بنتك من بيتي مطلقة ... فلن تردي عليها زفرة الندم

(١) ردع الخلوق: ريح الطيب.

(٢) كرام: فاعل تريك. يقول: إنهن كالنجوم يبدون مع الشمس مع أن النجوم لا تظهر معها.

(٣) الحارث بن عباد: فارس النعامة «فرسه» من بني بكر. ارجع إلى خبره في «الأغاني» عند الكلام عن حرب تغلب وبكر ابني وائل.

(٤) الحي الغموض: القبيلة التي تخفي مكانتها.

(٥) يريد أنه أدب نوار بزواجه هذا. فرضيت بالنصف (بفتح النون) أي الإنصاف، أو رضيت بالنصف (بكسر النون)، أي بالقسمة بينها وبين الزوجة الجديدة.

(٦) الكسعي: رجل يضرب به المثل في الندامة على كسره قوسه، وكان جربها في عدة ظباء، فظن أنها لم تصبهن، ثم اتضح أنها أقصدتهن جميعا.

(٧) الضرار، من ضاره، يريد أن مخالفة آدم لأمر ربه أخرجته من الجنة.