نسب الفرزدق وأخباره وذكر مناقضاته
  فدونكها يا بن الزبير فإنها ... مولَّعة يوهي الحجارة قيلها(١)
  وما جادل الأقوام من ذي خصومة ... كورهاء مشنوء إليها حليلها(٢)
  فلما قدمت مكة نزلت على تماضر بنت منظور بن زبّان زوجة عبد اللَّه بن الزبير، ونزل الفرزدق بحمزة بن عبد اللَّه بن الزبير، ومدحه بقوله:
  أمسيت قد نزلت بحمزة حاجتي ... إن المنوّه باسمه الموثوق
  بأبي عمارة خير من وطئ الحصا ... وجرت له في الصالحين عروق
  بين الحواريّ الأعزّ وهاشم ... ثم الخليفة بعد والصّدّيق(٣)
  / غنّى في هذه الأبيات ابن سريج رملا بالبنصر.
  قال: فجعل أمر النّوار يقوى، وأمر الفرزدق يضعف، فقال:
  أمّا بنوه فلم تقبل شفاعتهم ... وشفّعت بنت منظور بن زبّانا
  ملاحاة بينه وبين ابن الزبير
  : وقال ابن الزبير للنّوار: إن شئت فرّقت بينكما، وقتلته، فلا يهجونا أبدا، وإن شئت سيّرته إلى بلاد العدو، فقالت: ما أريد واحدة منهما، فقال لها: فإنه ابن عمك وهو فيك راغب، فأزوّجك إياه، قالت: نعم، فزوجها منه، فكان الفرزدق يقول: خرجنا ونحن متباغضان، فعدنا متحابين.
  قال: وكان الفرزدق قال لعبد اللَّه بن الزبير - وقد توجه الحكم عليه - إنما تريد أن أفارقها فتثب عليها، وكان ابن الزبير حديدا(٤)، فقال له: هل أنت وقومك إلا جالية(٥) العرب؟.
  ثم أمر به فأقيم، وأقبل على من حضر، فقال: إن بني تميم كانوا وثبوا على البيت قبل الإسلام بمائة وخمسين سنة، فاستلبوه، فاجتمعت العرب عليها لما انتهكت منه ما لم ينتهكه أحد قط، فأجلتها من أرض تهامة، قال: فلقي الفرزدق بعض الناس، فقال: إيه يعيرنا ابن الزبير بالجلاء! اسمع، ثم قال:
  فإن تغضب قريش أو تغضّب ... فإنّ الأرض توعبها تميم(٦)
  / هم عدد النجوم وكلّ حيّ ... سواهم لا تعدّ له نجوم
  ولولا بيت مكة ما ثويتم ... بها صحّ المنابت والأروم(٧)
(١) فدونكها: فخذها، والضمير يعود إلى الأبيات، قيلها: قولها.
(٢) الورهاء: الحمقاء، مشنوء: مبغض، يقول: إنها تخاصمني إليك، وماذا عسى أن تسمع من حمقاء تكره بعلها؟.
(٣) يقصد أن حمزة سبط الزبير بن العوام حواري الرسول، وأنه حفيد هاشم بن عبد مناف، لأن جدته أم الزبير بنت عبد المطلب بن هاشم، وأن جدته زوجة الزبير ذات النطاقين أسماء بنت أبي بكر الصديق، وأن أباه الخليفة وفي البيت إقواء.
(٤) حديد: سريع الغضب.
(٥) الجالية: الذين أجلوا، أي أبعدوا عن أوطانهم.
(٦) تغضب الثانية مضارع محذوف إحدى التائين، معناه تتظاهر بالغضب، توعبها: تأخذها أجمع، ولا تترك منها شيئا.
(٧) ثويتم: أقمتم. الأروم: جمع أرومة وهي الأصل.