كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

نسب الفرزدق وأخباره وذكر مناقضاته

صفحة 192 - الجزء 21

  /

  بها كثر العديد وطاب منكم ... وغيركم أخيذ الريش هيم⁣(⁣١)

  فمهلا عن تعلَّل من غدرتم ... بخونته وعذّبه الحميم⁣(⁣٢)

  أعبد اللَّه مهلا عن أذاتي ... فإني لا الضعيف ولا الشوم

  ولكنّي صفاة لم تدنّس ... تزلّ الطير عنها والعصوم⁣(⁣٣)

  أنا ابن العاقر الخور الصّفايا ... بضوّي حين فتّحت العكوم⁣(⁣٤)

  قال: فبلغ هذا الشّعر ابن الزبير، وخرج للصلاة فرأى الفرزدق في طريقه، فغمز عنقه، فكاد يدقها، ثم قال:

  لقد أصبحت عرس الفرزدق ناشزا ... ولو رضيت رمح استه لاستقرّت

  وقال: هذا الشعر لجعفر بن الزبير.

  (⁣٥) وقيل: إن الذي كان تقرّر عليه عشرة آلاف درهم، وإنّ سلم بن زياد أمر له بعشرين ألف درهم مهرا ونفقة، فقبضها، فقالت له زوجته أمّ عثمان بنت عبد اللَّه / بن عمرو بن أبي العاص الثقفيّة: أتعطي عشرين ألف درهم وأنت محبوس⁣(⁣٦)؟ فقال:

  ألا بكرت عرسي تلوم سفاهة ... على ما مضى مني وتأمر بالبخل

  فقلت لها - والجود منّي سجيّة -: ... وعل يمنع المعروف سوّاله مثلي؟⁣(⁣٧)

  ذريني فإنّي غير تارك شيمتي ... ولا مقصر طول الحياة عن البذل

  ولا طارد ضيفي إذا جاء طارقا ... وقد طرق الأضياف شيخي من قبلي⁣(⁣٨)

  أأبخل؟ إن البخل ليس بمخلدي ... ولا الجود يدنيني إلى الموت والقتل

  أبيع بني حرب بآل خويلد! ... وما ذاك عند اللَّه في البيع بالعدل؟⁣(⁣٩)


(١) أخيذ الريش: مهيض الجناح، الهيم: النوق العطاش.

(٢) تعلل: من تعلل، بمعنى: أبدى الحجة وتمسك بها، كأنه يقول: كفوا يا بني قريش عن ادعائكم الشرف على بني تميم الذين غدرتموهم بخيانتكم إياهم، وكان عذابهم على أيدي محالفيهم وأصدقائهم وفي بعض النسخ:

فمهلا عن تذلل من عزرتم ... بجولته وعزّبه الحميم

والمعنى: كفوا عن إذلال من كان سببا في عزتكم، ولعل هذه الرواية أنسب.

(٣) الصفاة: الصخرة، والعصوم: الأوساخ، يقول: أنا صفاة عالية نقية لا يعف عليها طير، ولا تعلق بها الأوساخ.

(٤) الخور: النوق الغزر، جمع خوارة، الصفايا: المتنقاة، جمع صفية، العكوم: مجمع عكم - بكسر العين - وهو ما يحمله الرجل على ظهره من طعام، كأنه يقول: أنا ابن من عقر النوق بضوي حين حطت الرحال وحان وقت الطعام ولعله يشير إلى ما نحره أبوه من إبل في خلافة عثمان لبني حنظلة على نحو ما سبق.

(٥) (من هنا إلى رقم ٦ في الصفحة التالية) تكملة من «المختار».

(٦) يبدو أنه كان في حبس ابن الزبير كما هو واضح من الأبيات التالية.

(٧) المعروف: مفعول ثان مقدم ليمنع، وسؤاله: مفعول أول مؤخر.

(٨) لعله يعني بشيخه أباه، أو أحد أجداده.

(٩) خويلد: أبو العوام جد عبد اللَّه بن الزبير.