كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

نسب الفرزدق وأخباره وذكر مناقضاته

صفحة 197 - الجزء 21

  إن غاب كعب بني جعيل عنهم ... وتنمّر الشعراء بعد الأخطل⁣(⁣١)

  يتباشرون بموته ووراءهم ... منّي لهم قطع العذاب المرسل

  فقالوا له: فأنت ابن الفرزدق إذا، قال: أنا هو، فتنادوا: يا آل تغلب، اقضوا حق شاعركم والذائد عنكم في ابنه، فجعلوا له مائة ناقة، وساقوها إليه، فانصرف بها.

  عمرو بن عفراء يتحداه

  : أخبرنا أبو خليفة، عن محمد بن سلَّام قال: أتى الفرزدق عبد اللَّه بن مسلم الباهليّ فسأله فثقل عليه الكثير، وخشية في القليل، وعنده عمرو بن عفراء الضّبيّ رواية الفرزدق وقد كان هجاه جرير لروايته للفرزدق في قوله:

  ونبّئت جوّابا وسلما يسبّني ... وعمرو بن عفري. لا سلام على عمرو⁣(⁣٢)

  فقال ابن عفراء للباهليّ: لا يهولنّك أمره، أنا أرضيه عنك فأرضاه بدون ما كان همّ له به، فأعطاه ثلاثمائة درهم، فقبلها الفرزدق ورضي عنه، فبلغه بعد ذلك صنيع عمرو فقال:

  /

  ستعلم يا عمرو بن عفري من الذي ... يلام إذا ما الأمر غبّت عواقبه⁣(⁣٣)

  نهيت ابن عفرى أن يعفّر أمّه ... كعفر السّلا إذ جرّرته ثعالبه⁣(⁣٤)

  فلو كنت ضبّيا صفحت ولو سرت ... على قدمي حيّاته وعقاربه⁣(⁣٥)

  ولكن ديافيّ أبوه وأمّه ... بحوران يعصرن السليط أقاربه⁣(⁣٦)

  ولما رأى الدّهنا رمته جبالها ... وقالت ديافيّ مع الشام جانبه⁣(⁣٧)

  فإن تغضب الدهنا عليك فما بها ... طريق لمرتاد تقاد ركائبه⁣(⁣٨)

  تضنّ بمال الباهليّ كأنما ... تضنّ على المال الذي أنت كاسبه

  وإنّ امرأ يغتابني لم أطأله ... حريما ولا ينهاه عنّي أقاربه⁣(⁣٩)

  كمحتطب يوما أساود هضبة ... أتاه بها في ظلمة الليل حاطبه⁣(⁣١٠)

  أحين التقى ناباي وابيضّ مسحلي ... وأطرق إطراق الكرى من يجانبه⁣(⁣١١)


(١) كعب بني جميل والأخطل: شاعران تغلبيان، يقصد أنه المنافح عنهم بعد موت هذين الشاعرين.

(٢) في «الديوان»:

«وسكنا يسبني»

وفي «المختار»

«وشيكا يسبني»

(٣) غبت عواقبه: بلغ مداه.

(٤) تكملة من هد، والسلا: غشاء يحيط بالجنين عند ولادته.

(٥) يريد أنه لو كان ضبيّا لاغتفر له الإساءة مهما تعظم.

(٦) دياف: بلد بالشام، السليط: ما يستخرج من الحبوب من الزيوت، وقد جرى في قوله «يعصرن» على لغة أكلوني البراغيث.

(٧) الدهنا: مقصور الدهناء: موضع لبني تميم.

(٨) في هد، هج «لزيات» بدل «لمرتاد».

(٩) في «المختار» «يعتابني» أي يعيبني. وفي ف: «تجاربه» بدل: «أقاربه».

(١٠) الأساود: جمع أسود، وهو الحية العظيمة.

(١١) المسحل: جانب اللحية، يقول: أيسيئني حين التقى ناباي، وشابت لحيتي، ونام عدوي بعد أن كان يجفوه النوم، وفي هد، هج:

«من أحاربه» بدل من «يجانبه».