نسب الفرزدق وأخباره وذكر مناقضاته
  إن غاب كعب بني جعيل عنهم ... وتنمّر الشعراء بعد الأخطل(١)
  يتباشرون بموته ووراءهم ... منّي لهم قطع العذاب المرسل
  فقالوا له: فأنت ابن الفرزدق إذا، قال: أنا هو، فتنادوا: يا آل تغلب، اقضوا حق شاعركم والذائد عنكم في ابنه، فجعلوا له مائة ناقة، وساقوها إليه، فانصرف بها.
  عمرو بن عفراء يتحداه
  : أخبرنا أبو خليفة، عن محمد بن سلَّام قال: أتى الفرزدق عبد اللَّه بن مسلم الباهليّ فسأله فثقل عليه الكثير، وخشية في القليل، وعنده عمرو بن عفراء الضّبيّ رواية الفرزدق وقد كان هجاه جرير لروايته للفرزدق في قوله:
  ونبّئت جوّابا وسلما يسبّني ... وعمرو بن عفري. لا سلام على عمرو(٢)
  فقال ابن عفراء للباهليّ: لا يهولنّك أمره، أنا أرضيه عنك فأرضاه بدون ما كان همّ له به، فأعطاه ثلاثمائة درهم، فقبلها الفرزدق ورضي عنه، فبلغه بعد ذلك صنيع عمرو فقال:
  /
  ستعلم يا عمرو بن عفري من الذي ... يلام إذا ما الأمر غبّت عواقبه(٣)
  نهيت ابن عفرى أن يعفّر أمّه ... كعفر السّلا إذ جرّرته ثعالبه(٤)
  فلو كنت ضبّيا صفحت ولو سرت ... على قدمي حيّاته وعقاربه(٥)
  ولكن ديافيّ أبوه وأمّه ... بحوران يعصرن السليط أقاربه(٦)
  ولما رأى الدّهنا رمته جبالها ... وقالت ديافيّ مع الشام جانبه(٧)
  فإن تغضب الدهنا عليك فما بها ... طريق لمرتاد تقاد ركائبه(٨)
  تضنّ بمال الباهليّ كأنما ... تضنّ على المال الذي أنت كاسبه
  وإنّ امرأ يغتابني لم أطأله ... حريما ولا ينهاه عنّي أقاربه(٩)
  كمحتطب يوما أساود هضبة ... أتاه بها في ظلمة الليل حاطبه(١٠)
  أحين التقى ناباي وابيضّ مسحلي ... وأطرق إطراق الكرى من يجانبه(١١)
(١) كعب بني جميل والأخطل: شاعران تغلبيان، يقصد أنه المنافح عنهم بعد موت هذين الشاعرين.
(٢) في «الديوان»:
«وسكنا يسبني»
وفي «المختار»
«وشيكا يسبني»
(٣) غبت عواقبه: بلغ مداه.
(٤) تكملة من هد، والسلا: غشاء يحيط بالجنين عند ولادته.
(٥) يريد أنه لو كان ضبيّا لاغتفر له الإساءة مهما تعظم.
(٦) دياف: بلد بالشام، السليط: ما يستخرج من الحبوب من الزيوت، وقد جرى في قوله «يعصرن» على لغة أكلوني البراغيث.
(٧) الدهنا: مقصور الدهناء: موضع لبني تميم.
(٨) في هد، هج «لزيات» بدل «لمرتاد».
(٩) في «المختار» «يعتابني» أي يعيبني. وفي ف: «تجاربه» بدل: «أقاربه».
(١٠) الأساود: جمع أسود، وهو الحية العظيمة.
(١١) المسحل: جانب اللحية، يقول: أيسيئني حين التقى ناباي، وشابت لحيتي، ونام عدوي بعد أن كان يجفوه النوم، وفي هد، هج:
«من أحاربه» بدل من «يجانبه».