كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

نسب الفرزدق وأخباره وذكر مناقضاته

صفحة 198 - الجزء 21

  فقال ابن عفراء، وأتاه في نادي قومه: أجهد جهدك، هل هو إلا أن تسبني، واللَّه لا أدع لك مساءة إلا أتيتها، ولا تأمرني بشيء إلا اجتنبته ولا تنهاني عن شيء إلا ركبته، قال: فاشهدوا أني أنهاه أن ينيك أمه، فضحك القوم وخجل ابن عفري.

  يتطفل فيجاز

  : أخبرنا أبو خليفة، عن محمد بن سلام، قال: حدثنا شعيب بن صخر قال:

  / تزوج ذبيان بن أبي ذبيان العدوي من بلعدوية، فدعا الناس في وليمته، فدعا ابن أبي شيخ الفقيميّ، فألقى الفرزدق عنده، فقال له: يا أبا فراس، انهض، قال: إنه لم يدعني، قال: إن ابن ذبيان يؤتى وإن لم يدع، ثم لا تخرج من عنده إلا بجائزة فأتياه، فقال الفرزدق حين دخل:

  كم قال لي ابن أبي شيخ وقلت له: ... كيف السّبيل إلى معروف ذبيان

  / إنّ القلوص إذا ألقت جآجئها ... قدامّ بابك لم نرحل بحرمان⁣(⁣١)

  قال: أجل يا أبا فراس فدخل فتغدى عنده، وأعطاه ثلاثمائة درهم.

  يريد أن يتحدى الناس الموت

  : أخبرني أبو خليفة عن محمد بن سلَّام قال: حدثني أبو بكر المدنيّ قال:

  دخل الفرزدق المدينة فوافق فيها موت طلحة بن عبد الرحمن بن عوف الزّهريّ - وكان سيدا سخيّا شريفا - فقال: يا أهل المدينة، أنتم أذل قوم للَّه، قالوا: وما ذاك يا أبا فراس؟ قال: غلبكم الموت على طلحة حتى أخذه⁣(⁣٢) منكم.

  يعطي عروضا بدل النقد

  : وأتى مكة، فأتى عمرو بن عبد اللَّه بن صفوان بن أمية بن خلف الجمحيّ - وهو سيد أهل مكة يومئذ - وليس عنده نقد حاضر، وهو يتوقع أعطيته وأعطية ولده وأهله، فقال: واللَّه يا أبا فراس، ما وافقت عندنا نقدا، ولكن عروضا⁣(⁣٣) إن شئت، فعندنا رقيق فرهة⁣(⁣٤)، فإن شئت أخذتهم، قال: نعم، فأرسل له بوصفاء من بنيه وبني أخيه، فقال: هم لك عندنا حتى تشخص، وجاءه العطاء، فأخبره الخبر وفداهم، فقال الفرزدق ونظر إلى عبد العزيز بن عبد اللَّه بن خالد بن أسيد وكان يطوف بالبيت الحرام يتبختر:

  /

  تمشي تبختر حول البيت منتخبا ... لو كنت عمرو بن عبد اللَّه لم تزد⁣(⁣٥)

  يحتج بشعره

  : أخبرنا أبو خليفة، عن محمد بن سلام، قال: حدثنا عامر بن أبي عامر - وهو صالح بن رستم الخراز - قال:

  أخبرني أبو بكر الهذلي قال:


(١) الجاجئ: جمع جؤجؤ، وهو عظام الصدر، وإلقاء جآجئ الناقة كناية عن بروكها.

(٢) كأنه كان يريد من أهل المدينة أن يقاوموا الموت، وهذا من أبلغ الرثاء لطلحة بن عبد الرحمن.

(٣) العروض: جمع عرض - بفتح وسكون - وهو ما سوى النقد من المتاع.

(٤) يريد عبيدا وجواري حسانا.

(٥) تبختر: مضارع محذوف أحد التائين، والمقصود بالبيت أن عمرا هذا هو وحده الجدير بالتيه والخيلاء.