كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

نسب الفرزدق وأخباره وذكر مناقضاته

صفحة 199 - الجزء 21

  إنا لجلوس عند الحسن إذ جاء الفرزدق يتخطى حتى جلس إلى جنبه، فجاء رجل، فقال: يا أبا سعيد: الرجل يقول: لا واللَّه، بلى واللَّه في كلامه، قال: لا يريد اليمين، فقال الفرزدق: أو ما سمعت ما قلت في ذلك؟ قال الحسن: ما كلّ ما قلت سمعوا فما قلت؟ قال: قلت:

  ولست بمأخوذ بلغو تقوله ... إذا لم تعمّد عاقدات العزائم⁣(⁣١)

  قال: فلم ينشب أن جاء رجل آخر، فقال: يا أبا سعيد. نكون في هذه المغازي فنصب المرأة لها زوج، أفيحلّ غشيانها وإن لم يطلَّقها زوجها؟ فقال الفرزدق: أو ما سمعت ما قلت في ذلك؟ قال الحسن: ما كلّ ما قلت سمعوا فما قلت؟ قال: قلت:

  وذات حليل أنكحتنا رماحنا ... حلالا لمن يبني بها لم تطلَّق⁣(⁣٢)

  يهجو إبليس

  : قال أبو خليفة: أخبرني محمد بن سلام، وأخبرني محمد بن جعفر قالا:

  أتى الفرزدق الحسن⁣(⁣٣)، فقال: إني هجوت إبليس فاسمع؟ قال لا حاجة لنا بما تقول، قال: لتسمعنّ أو لأخرجنّ، فأقول للناس: إن الحسن ينهى عن هجاء إبليس، قال: اسكت فإنك بلسانه تنطق.

  الحسن يتمثل بالشعر

  : قال محمد بن سلام: أخبرني سلام أبو المنذر، عن علي بن زيد قال: ما سمعت الحسن متمثلا شعرا قط إلا بيتا واحدا وهو قوله:

  الموت باب وكلّ الناس داخله ... فليت شعري بعد الباب ما الدّار؟

  قال: وقال لي يوما: ما تقول في قول الشاعر:

  لولا جرير هلكت بجيلة ... نعم الفتى وبئست القبيلة

  أهجاه أم مدحه؟ قلت: مدحه وهجا قومه، قال: ما مدح من هجي قومه.

  وقال جرير بن حازم: / ولم أسمعه ذكر شعرا قط إلا:

  ليس من مات فاستراح بميت ... إنما الميت ميّت الأحياء

  هل ينقض الشعر الوضوء

  : وقال رجل لابن سيرين وهو قائم يستقبل القبلة يريد أن يكبّر: أيتوضّأ⁣(⁣٤) من الشعر؟ فانصرف بوجهه إليه فقال:

  ألا أصبحت عرس الفرزدق ناشزا ... ولو رضيت رمح استه لاستقرّت


(١) يريد أن بيته يتطابق مع قوله تعالى: {لا يُؤاخِذُكُمُ أللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ}.

(٢) ذات: مفعول مقدم لأنكحتنا، ويريد أن سبايا الحرب إماء يحل الاستمتاع بهن.

(٣) يريد الحسن البصري.

(٤) يقصد: هل يعتبر الشعر من نواقض الوضوء؟ وقد أجابه ابن سيرين عملا لا قولا، إذ نطق ببيت الفرزدق الفاحش، ثم كبر.