نسب الفرزدق وأخباره وذكر مناقضاته
  نعتّ لنا من الورهاء نعتا ... قعدت به لأمّك بالسبيل
  فلا تبغي إذا ما غاب عنها ... عطية غير نعتك من حليل(١)
  يموت بذات الجنب
  : أخبرنا عبد اللَّه بن مالك، قال: حدثني محمد بن موسى، قال: حدثنا أبو عكرمة الضبّيّ عن أبي حاتم السجستاني، عن محمد بن عبد اللَّه الأنصاري، قال أبو عكرمة: وحكي لنا عن لبطة بن الفرزدق أن أباه أصابته ذات الجنب، فكانت سبب وفاته.
  قال: ووصف له أن يشرب النّفط الأبيض، فجعلناه له في قدح، وسقينان إياه، فقال: يا بني عجّلت لأبيك شراب أهل النار، فقلت له: يا أبت، قل: لا إله إلا اللَّه، فجعلت أكررها عليه مرارا، فنظر إليّ وجعل يقول:
  فظلَّت تعالى باليفاع كأنها ... رماح نحاها وجهه الرّيح راكز(٢)
  فكان ذا هجّيراه حتى مات.
  أخبرني أبو خليفة، عن محمد بن سلَّام، قال: حدثني شعيب بن صخر، قال:
  دخل بلال بن أبي بردة على الفرزدق في مرضه الذي مات فيه، وهو يقول:
  أروني من يقوم لكم مقامي ... إذا ما الأمر جلّ عن الخطاب
  / البيتين(٣)، فقال بلال: إلى اللَّه، إلى اللَّه.
  يتمرد في مرض موته
  : أخبرني الحسين بن يحيى، عن حماد، عن أبيه، عن الأصمعيّ، قال:
  كان الفرزدق قد دبّر عبيدا له، وأوصى بعتقهم بعد موته، ويدفع شيء من ماله إليهم، فلما احتضر جمع سائر أهل بيته، وأنشأ يقول:
  أروني من يقوم لكم مقامي ... إذا ما الأمر جلّ عن الخطاب
  إلى من تفزعون إذا حثوتم ... بأيديكم عليّ من التّراب
  فقال له بعض عبيده - الذين أمر بعتقهم -: إلى اللَّه، فأمر بيعه قبل وفاته، وأبطل وصيته فيه، واللَّه أعلم.
  أخبرني الحسن بن عليّ، عن بشر بن مروان، عن الحميديّ، عن سفيان، عن لبطة بن الفرزدق قال:
  لمّا احتضر أبو فراس قال - أي لبطة: أبغني كتابا أكتب فيه وصيتي، فأتيته بكتاب فكتب وصيّته:
  أروني من يقوم لكم مقامي
  البيتين، فقالت مولاة له - قد كان أوصى لها بوصية -: إلى اللَّه ø، فقال: يا لبطة، امحها من الوصية.
(١) يريد بالبيتين أن أم جرير هي الورهاء التي لا يخفى مكانها عليه حين يغيب حليلها عطية.
(٢) تعالى: أصله تتعالى، ولعل ضمير «ظلت» يعود على خيل، أو إبل، أو نحو ذلك، وكأن الفرزدق صرف هذا الضمير إلى روحه التي تصاعدت حتى بلغت حلقومه.
(٣) لم يتقدم ذكر البيتين، بل ذكر بيتا واحدا، على أنه سيعيدهما بعد أسطر.