كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

نسب الفرزدق وأخباره وذكر مناقضاته

صفحة 253 - الجزء 21

  قال سفيان: نعم ما قالت وبئس ما قال أبو فراس.

  ينظم وصيته شعرا

  : وقال عوانة: قيل للفرزدق في مرضه الذي مات فيه أوص، فقال:

  أوصّي تميما إن قضاعة ساقها ... ندى الغيث عن دار بدومة أو جدب⁣(⁣١)

  / فإنكم الأكفاء والغيث دولة ... يكون بشرق من بلاد ومن غرب⁣(⁣٢)

  إذا انتجعت كلب عليكم فوسّعوا ... لها الدار في سهل المقامة والرّحب

  فأعظم من أحلام عاد حلومهم ... وأكثرهم عند العديد من التّرب

  أشدّ حبال بعد حيّين مرّة ... حبال أمرّت من تميم ومن كلب⁣(⁣٣)

  يسبقه إلى الآخرة غلام له

  : قال: وتوفي للفرزدق ابن صغير قبل وفاته بأيام، وصلَّى عليه، ثم التفت إلى الناس، فقال:

  وما نحن إلا مثلهم غير أنّنا ... أقمنا قليلا بعدهم وتقدّموا

  قال: فلم يلبث إلا أياما حتى مات.

  أنشد عند موته:

  وقال المدائنيّ: قال لبطة: أغمي على أبي، فبكينا، ففتح عينيه، وقال: أعليّ تبكون؟ قلنا: نعم، أفعلى ابن المراغة نبكي؟ فقال: ويحكم! أهذا موضع ذكره؟ وقال:

  إذا ما دبّت الأنقاء فوقي ... وصاح صدّى عليّ مع الظلام⁣(⁣٤)

  فقد شمتت أعاديكم وقالت: ... أدانيكم من أين لنا المحامي؟

  وقع نعيه على جرير

  : أخبرني أبو خليفة الفضل بن الحباب إجازة، قال: حدثنا محمد بن سلام، قال: حدثنا أبو العرّاف، قال:

  نعي الفرزدق لجرير، وهو عند المهاجر بن عبد اللَّه باليمامة، فقال:

  /

  مات الفرزدق بعد ما جرّعته ... ليت الفرزدق كان عاش قليلا⁣(⁣٥)

  فقال له المهاجر: بئس ما قلت، أتهجو ابن عمك بعد ما مات! ولو رثيته كان أحسن بك. فقال: واللَّه إني لأعلم أنّ بقائي بعده لقليل، وأنّ نجمي لموافق لنجمه، أفلا أرثيه؟ قال: أبعد ما قيل لك: الو كنت بكيته ما نسيتك العرب.


(١) قضاعة: مفعول به لفعل محذوف تقديره: «إن ساق ندى الغيث قضاعة»، دومة: اسم مكان بعينه.

(٢) دولة: متداولة، لا تستقر على حال.

(٣) المرة: إحكام الفتل.

(٤) في ب: «الأفياء».، والنقا: الكثيب من الرمل، والصدى: رجع الصوت من الجبل ونحوه، أو هو طائر يخرج من رأس القتيل، ويقول: اسقوني حتى يؤخذ بثأره، وليس المراد أنه مات قتيلا بل المراد أنه مجاور لهذا الطائر وأمثاله.

(٥) جرعته: سقيته المر ونحوه، وفي، هج: «جدعته» بالدال المشددة بمعنى قطعت أنفه.