نسب الفرزدق وأخباره وذكر مناقضاته
  قال أبو خليفة: قال ابن سلام: فأنشدني معاوية بن عمرو، قال: أنشدني عمارة بن عقيل لجرير يرثي الفرزدق بأبيات منها:
  فلا ولدت بعد الفرزدق حامل ... ولا ذات بعل من نفاس تعلَّت(١)
  هو الوافد المأمون والرّاتق الثّأى ... إذا النعل يوما بالعشيرة زلَّت(٢)
  أخبرني أحمد بن عبد العزيز، عن ابن شبة بخبر جرير لمّا بلغه وفاة الفرزدق، وهو عند المهاجر، فذكر نحوا مما ذكره ابن سلام، وزاد فيه، قال:
  ثم قال، وبكى، وندم، وقال: ما تقارب رجلان في أمر قط، فمات أحدهما إلا أوشك صاحبه أن يتبعه.
  في أي سنة مات
  : قال أبو زيد: مات الحسن وابن سيرين والفرزدق وجرير في سنة عشر ومائة، فقبر الفرزدق بالبصرة، وقبر جرير وأيوب السّختياني ومالك بن دينار باليمامة في موضع واحد.
  وهذا غلط من أبي زيد عمر بن شبة، لأن الفرزدق مات بعد يوم كاظمة، وكان ذلك في سنة اثنتي عشرة ومائة، وقد قال فيه الفرزدق شعرا، وذكره في مواضع من قصائده، ويقوّي ذلك ما أخبرنا به وكيع، قال:
  / حدثنا عمر بن محمد بن عبد الملك الزيات، قال: حدثني ابن النّطَّاح، عن المدائنيّ، عن أبي اليقظان وأبي همّام المجاشعيّ:
  أن الفرزدق مات سنة أربع عشرة ومائة.
  جرير ينعي نفسه ويرثيه
  : قال أبو عبيدة:
  حدثني أبو أيوب بن كسيب من آل الخطفي، وأمه ابنة جرير بن عطية، قال:
  بينا جرير في مجلس بفناء داره بحجر إذ راكب قد أقبل، فقال له جرير: من أين وضح الراكب(٣)؟ قال: من البصرة، فسأل عن الخبر، فأخبره بموت الفرزدق، فقال:
  /
  مات الفرزدق بعد ما جرّعته ... ليت الفرزدق كان عاش قليلا
  ثم سكت ساعة، فظننّاه يقول شعرا، فدمعت عيناه، فقال القوم: سبحان اللَّه، أتبكي على الفرزدق! فقال:
  واللَّه ما أبكي إلا على نفسي، أما واللَّه إن بقائي؛ خلافه(٤) لقليل، إنه قل ما كان مثلنا رجلان يجتمعان على خير أو شر إلا كان أمد ما بينهما قريبا، ثم أنشأ يقول:
  فجعنا بحمّال الدّيات ابن غالب ... وحامي تميم كلَّها والبراجم
(١) تعلت المرأة من نفاسها: انقضت عنها مدته.
(٢) الثأى: الفتق.
(٣) من أين وضح الراكب؟: من أين طلع؟ وفي بعض النسخ «أوضح» بدل «وضح» وهما بمعنى واحد.
(٤) خلافه: بعده، ومنه قوله تعالى: {لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلًا}.