نسب الفرزدق وأخباره وذكر مناقضاته
  بكيناك حدثان الفراق وإنما ... بكيناك شجوا للأمور العظائم(١)
  فلا حملت بعد ابن ليلى مهيرة ... ولا شدّ أنساع المطيّ الرّواسم(٢)
  يموت بالدبيلة
  : / وقال البلاذريّ: حدثنا أبو عدنان(٣)، عن أبي اليقظان، قال:
  أسنّ الفرزدق حتى قارب المائة فأصابته الدّبيلة(٤)، وهو بالبادية فقدم إلى البصرة؛ فأتي برجل من بني قيس متطبب؛ فأشار بأن يكوى، ويشرب النّفط الأبيض، فقال: أتعجّلون لي طعام أهل النار في الدنيا؟ وجعل يقول:
  أروني من يقوم لكم مقامي ... إذا ما الأمر جلّ عن الخطاب
  أبو ليلى المجاشعي يرثيه
  : وقال أبو ليلى المجاشعيّ يرثى الفرزدق:
  لعمري لقد أشجعى تميما وهدّها ... على نكبات الدهر موت الفرزدق
  عشيّة قدنا للفرزدق نعشه ... إلى جدث في هوّة الأرض معمق
  لقد غيّبوا في اللَّحد من كان ينتمي ... إلى كل بدر في السماء محلَّق
  ثوى حامل الأثقال عن كل مثقل ... ودفّاع سلطان الغشوم السّملَّق(٥)
  لسان تميم كلَّها وعمادها ... وناطقها المعروف عند المخنّق(٦)
  فمن لتميم بعد موت ابن غالب ... إذا حل يوم مظلم غير مشرق
  لتبك النّساء المعولات ابن غالب ... لجان وعان في السلاسل موثق
  أعلام ماتوا سنة موته
  : وقال ابن زكريا الغلابيّ، عن ابن عائشة، قال:
  مات الفرزدق وجرير في سنة عشرة ومائة، ومات جرير بعده بستة أشهر، ومات في هذه السنة الحسن البصريّ وابن سيرين، قال:
  / فقالت امرأة من أهل البصرة: كيف يفلح بلد مات فقيهاه وشاعراه في سنة؟ ونسبت جريرا إلى البصرة لكثرة قدومه إليها من اليمامة، وقبر جرير باليمامة، وبها مات، وقبر الأعشى أيضا باليمامة: أعشى بني قيس بن ثعلبة، وقبر الفرزدق بالبصرة في مقابر بني تميم:
(١) حدثان الفراق: أول الفراق وابتداءه.
(٢) المهيرة: من غولي في مهرها، إنساع: جمع نسع، وهو سير عريض تشد به الحقائب والعيب ونحوها، الرواسم: الإبل التي تؤثر في الأرض.
(٣) في هج: «أبو هفان» بدل «أبو عدنان».
(٤) الدبيلة: داء من الأدواء التي تصيب الجوف.
(٥) في هج: «وحمال» بدل «ودفاع». السملق: الشرس السيء الخلق.
(٦) عند المخنّق: عندما يعيا المتكلم عن الكلام كأنه مختنق.