نسب الفرزدق وأخباره وذكر مناقضاته
  وقال جرير لما بلغه موت الفرزدق: قلَّما تصاول فحلان، فمات أحدهما إلا أسرع لحاق الآخر به.
  ورثاهما جماعة، فمنهم أبو ليلى الأبيض(١)، من بني الأبيض بن مجاشع فقال فيهما:
  لعمري لئن قرما تميم تتابعا ... مجيبين للدّاعي الذي قد دعاهما
  لربّ عدوّ فرّق الدهر بينه ... وبينهما لم تشوه ضغمتاهما(٢)
  يتراءى في المنام
  : أخبرني ابن عمار، عن يعقوب بن إسرائيل، عن قعنب بن المحرز الباهلي، عن الأصمعي، عن جرير يعني أبا حازم(٣) قال:
  رئي الفرزدق وجرير في النوم، فرئي الفرزدق بخير، وجرير معلَّق(٤).
  قال قعنب: وأخبرني الأصمعيّ، عن روح الطائيّ(٥)، قال:
  رئيّ الفرزدق في النوم، فذكر / أنه غفر له بتكبيرة كبّرها في المقبرة عند قبر غالب.
  / قال قعنب: وأخبرني أبو عبيدة النحويّ وكيسان بن المعروف النحوي، عن لبطة بن الفرزدق، قال:
  رأيت أبي فيما يرى النائم، فقلت له: ما فعل اللَّه بك؟ قال. نفعتني الكلمة التي نازعنيها(٦) الحسن على القبر.
  هو والحسن في جنازة النوار
  : أخبرني وكيع، عن محمد بن إسماعيل الحسانيّ، عن عليّ بن عاصم، عن سفيان بن الحسن، وأخبرني أبو خليفة عن محمد بن سلام - والرواية قريب بعضها من بعض -: أنّ النّوار لما حضرها الموت أوصت الفرزدق - وهو ابن عمها - أن يصلَّي عليها الحسن البصريّ، فأخبره الفرزدق، فقال: إذا فرغتم منها فأعلمني، وأخرجت، وجاءها الحسن، وسبقهما الناس، فانتظروهما، فأقبلا، والناس ينتظرون، فقال الحسن: ما للناس؟ فقال: ينتظرون خير الناس وشرّ الناس، فقال: إنّي لست بخيرهم، ولست بشرهم، وقال له الحسن على قبرها: ما أعددت لهذا المضجع، فقال: شهادة أن لا إله إلا اللَّه منذ سبعين سنة.
  هذا لفظ محمد بن سلَّام. وقال وكيع في خبره: فتشاغل الفرزدق بدفنها، وجلس الحسن يعظ الناس، فلما فرغ الفرزدق وقف على حلقة(٧) الحسن، وقال:
(١) في هج: «الأبيضي» بدل «الأبيض».
(٢) في الأصل
«لم يثوه ضيفاهما»
ولا معنى له، فضلا عن اختلال وزن البيت.
وفي هد:
«لم تشوه صحفتاهما»
وليس بشيء، وفي هج:
«لم تشوه صنعتاهما»
وليس بشيء أيضا، والذي نرجحه
«لم تشوه ضغمتاهما»
من أشوى الصائد الصيد: أخطأه، والضغمة: العض العنيف، والمعنى: أن يموتا فرب عدو عضنّاه، فلم يخطئا مقتله، وربما كانت
«لم تشوه صعدتاهما»
والصعدة: الرمح.
(٣) في هد، هج: «ابن حازم» بدل «أبا حازم».
(٤) في هد، هج: «محتبس» بدل «معلق».
(٥) في هد: «الكلبي» بدل «الطائي».
(٦) يعنى بهذه الكلمة «شهادة أن لا إله إلا اللَّه منذ سبعين عاما» على نحو ما سيأتي تفصيله فيما بعد.
(٧) ب: «على حلقة الناس».