كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

نسب الفرزدق وأخباره وذكر مناقضاته

صفحة 256 - الجزء 21

  وقال جرير لما بلغه موت الفرزدق: قلَّما تصاول فحلان، فمات أحدهما إلا أسرع لحاق الآخر به.

  ورثاهما جماعة، فمنهم أبو ليلى الأبيض⁣(⁣١)، من بني الأبيض بن مجاشع فقال فيهما:

  لعمري لئن قرما تميم تتابعا ... مجيبين للدّاعي الذي قد دعاهما

  لربّ عدوّ فرّق الدهر بينه ... وبينهما لم تشوه ضغمتاهما⁣(⁣٢)

  يتراءى في المنام

  : أخبرني ابن عمار، عن يعقوب بن إسرائيل، عن قعنب بن المحرز الباهلي، عن الأصمعي، عن جرير يعني أبا حازم⁣(⁣٣) قال:

  رئي الفرزدق وجرير في النوم، فرئي الفرزدق بخير، وجرير معلَّق⁣(⁣٤).

  قال قعنب: وأخبرني الأصمعيّ، عن روح الطائيّ⁣(⁣٥)، قال:

  رئيّ الفرزدق في النوم، فذكر / أنه غفر له بتكبيرة كبّرها في المقبرة عند قبر غالب.

  / قال قعنب: وأخبرني أبو عبيدة النحويّ وكيسان بن المعروف النحوي، عن لبطة بن الفرزدق، قال:

  رأيت أبي فيما يرى النائم، فقلت له: ما فعل اللَّه بك؟ قال. نفعتني الكلمة التي نازعنيها⁣(⁣٦) الحسن على القبر.

  هو والحسن في جنازة النوار

  : أخبرني وكيع، عن محمد بن إسماعيل الحسانيّ، عن عليّ بن عاصم، عن سفيان بن الحسن، وأخبرني أبو خليفة عن محمد بن سلام - والرواية قريب بعضها من بعض -: أنّ النّوار لما حضرها الموت أوصت الفرزدق - وهو ابن عمها - أن يصلَّي عليها الحسن البصريّ، فأخبره الفرزدق، فقال: إذا فرغتم منها فأعلمني، وأخرجت، وجاءها الحسن، وسبقهما الناس، فانتظروهما، فأقبلا، والناس ينتظرون، فقال الحسن: ما للناس؟ فقال: ينتظرون خير الناس وشرّ الناس، فقال: إنّي لست بخيرهم، ولست بشرهم، وقال له الحسن على قبرها: ما أعددت لهذا المضجع، فقال: شهادة أن لا إله إلا اللَّه منذ سبعين سنة.

  هذا لفظ محمد بن سلَّام. وقال وكيع في خبره: فتشاغل الفرزدق بدفنها، وجلس الحسن يعظ الناس، فلما فرغ الفرزدق وقف على حلقة⁣(⁣٧) الحسن، وقال:


(١) في هج: «الأبيضي» بدل «الأبيض».

(٢) في الأصل

«لم يثوه ضيفاهما»

ولا معنى له، فضلا عن اختلال وزن البيت.

وفي هد:

«لم تشوه صحفتاهما»

وليس بشيء، وفي هج:

«لم تشوه صنعتاهما»

وليس بشيء أيضا، والذي نرجحه

«لم تشوه ضغمتاهما»

من أشوى الصائد الصيد: أخطأه، والضغمة: العض العنيف، والمعنى: أن يموتا فرب عدو عضنّاه، فلم يخطئا مقتله، وربما كانت

«لم تشوه صعدتاهما»

والصعدة: الرمح.

(٣) في هد، هج: «ابن حازم» بدل «أبا حازم».

(٤) في هد، هج: «محتبس» بدل «معلق».

(٥) في هد: «الكلبي» بدل «الطائي».

(٦) يعنى بهذه الكلمة «شهادة أن لا إله إلا اللَّه منذ سبعين عاما» على نحو ما سيأتي تفصيله فيما بعد.

(٧) ب: «على حلقة الناس».