كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

نسب الفرزدق وأخباره وذكر مناقضاته

صفحة 258 - الجزء 21

  إلى اللَّه ø، والقضاء ينزل من السماء بما شاء.

  أبو هريرة يعظه

  : أخبرني حبيب بن نصر المهلبيّ، وأحمد بن عبد العزيز، عن ابن شبّة قال: حدثني هارون بن عمر، عن ضمرة بن شوذب قال:

  قيل لأبي هريرة: هذا الفرزدق، قال: هذا الذي يقذف المحصنات، ثم قال له: إني أرى عظمك رقيقا وعرقك⁣(⁣١) دقيقا، ولا طاقة لك بالنار، فتب، فإن التّوبة مقبولة من ابن آدم حتى يطير غرابه⁣(⁣٢).

  أخبرني هاشم بن محمد، عن الرياشيّ، عن المنهال بن بحر بن أبي سلمة، عن صالح المريّ، عن حبيب بن أبي محمد، قال:

  رأيت الفرزدق بالشام، فقال: قال لي أبو هريرة: إنه سيأتيك قوم يوئسونك من رحمة اللَّه، فلا تيأس.

  موازنة بينه وبين جرير والأخطل

  : قال أبو الفرج: والفرزدق مقدّم على الشعراء الإسلاميين هو وجرير والأخطل، / ومحلَّه في الشعر أكبر من أن ينبّه عليه بقول، أو يدلّ على مكانه بوصف؛ لأن الخاص والعام يعرفانه بالاسم، ويعلمان تقدّمه بالخبر الشائع علما يستغنى به عن الإطالة في الوصف، وقد تكلَّم الناس في هذا قديما وحديثا، وتعصبوا، واحتجوا بما لا مزيد فيه، واختلفوا بعد اجتماعهم على تقديم هذه الطبقة في أيّهم أحقّ بالتقدم على سائرها، فأمّا قدماء أهل العلم والرواة فلم يسوّوا بينهما وبين الأخطل؛ لأنه لم يلحق شأوهما في الشعر، ولا له مثل ما لهما من فنونه، ولا تصرّف كتصرّفهما في سائره، وزعموا أن ربيعة أفرطت فيه، حتى ألحقته بهما، وهم في ذلك طبقتان، أما من كان يميل إلى جزالة الشعر، وفخامته، وشدّة أسره، فيقدّم الفرزدق، وأما من كان يميل إلى أشعار المطبوعين، وإلى الكلام السّمح السهل الغزل فيقدّم جريرا.

  أخبرنا أبو خليفة: قال حدثنا محمد بن سلَّام، قال: سمعت يونس بن حبيب يقول:

  ما شهدت مشهدا⁣(⁣٣) قط ذكر فيه الفرزدق وجرير، فاجتمع أهل ذلك المجلس على أحدهما. قال ابن سلام:

  وكان يونس يقدم الفرزدق تقدمة بغير إفراط، وكان المفضل يقدمه تقدمة شديدة.

  قال ابن سلام: وقال ابن دأب، وسئل عنهما، فقال: الفرزدق أشعر خاصّة وجرير أشعر عامّة.

  أخبرني الجوهريّ وحبيب المهلبيّ عن ابن شبة، عن العلاء بن الفضل: قال: قال لي أبو البيداء: يا أبا الهذيل، أيّهما أشعر؟ أجرير أم الفرزدق؟ قال: قلت: ذاك إليك، ثم قال: ألم تسمعه يقول:

  /

  ما حمّلت ناقة من معشر رجلا ... مثلي إذا الريح لفّتني على الكور⁣(⁣٤)

  إلا قريشا فإن اللَّه فضّلها ... مع النبوّة بالإسلام والخير


(١) في هج: «وجلدك» بدل «وعرقك».

(٢) طيران الغراب: كناية عن الشيب، وهي كناية قائمة على تشبيه سواد الشعر بسواد الغراب.

(٣) في هج: «ما شهدت مجلسا».

(٤) تقدم هذان البيتان.