كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

نسب الفرزدق وأخباره وذكر مناقضاته

صفحة 260 - الجزء 21

  دخل قوم من بني ضبّة على الفرزدق فقالوا له: قبّحك اللَّه من أبن أخت! قد عرّضتنا لهذا الكلب السفيه - يعنون جريرا - حتى يشتم أعراضنا، ويذكر نساءنا، فغضب الفرزدق، وقال: بل قبّحكم اللَّه من أخوال! فو اللَّه لقد⁣(⁣١) شرّفكم من فخري أكثر مما غضّكم من هجاء جرير، أفأنا ويلكم عرّضتكم لسويد بن أبي كاهل حيث يقول:

  لقد زرقت عيناك يا بن مكعبر ... كما كلّ ضبّيّ من اللؤم أزرق

  ترى اللؤم فيهم لائحا في وجوههم ... كما لاح في خيل الحلائب أبلق⁣(⁣٢)

  أو أنا عرّضتكم للأغلب العجليّ حيث يقول:

  لن تجد الضّبّيّ إلَّا فلَّا ... عبدا إذانا ولقوم ذلَّا⁣(⁣٣)

  / مثل قفا المدية أو أكلَّا ... حتى يكون الألأم الأقلَّا

  أو أنا عرّضتكم له حيث يقول:

  إذا رأيت رجلا من ضبّه ... فنكه عمدا في سواء السّبّه⁣(⁣٤)

  إن اليمانيّ عقاص الزّبّه⁣(⁣٥)

  أو أنا عرضتكم لمالك بن نويرة حيث يقول:

  ولو يذبح الضّبيّ بالسيف لم تجد ... من اللؤم للضّبيّ لحما ولا دما!

  واللَّه لما ذكرت من شرفكم، وأظهرت من أيامكم أكثر، ألست القاتل:

  وأنا ابن حنظلة الأغرّ وإنني ... في آل ضبّة للمعمّ المخول

  فرعان قد بلغ السّماء ذراهما ... وإليهما من كل خوف يعقل⁣(⁣٦)

  بنو حرام يخشون لسانه

  : أخبرنا أبو خليفة، عن ابن سلام، عن أبي بكر محمد بن واسع وعبد القاهر قالا:

  كان⁣(⁣٧) فتى في بني حرام بن سماك شويعر، قد هجا الفرزدق، فأخذناه، فأتينا به الفرزدق، وقلنا: هو بين يديك، فإن شئت فاضرب، وإن شئت فاحلق، لا عدوى عليك ولا قصاص، فخلَّى عنه وقال:

  فمن يك خائفا لأذاة قولي ... فقد أمن الهجاء بنو حرام

  هم قادوا سفيههم وخافوا ... قلائد مثل أطواق الحمام


(١) في هج: «لما شرفكم» بدل «لقد شرفكم».

(٢) الحلائب: خيول السباق، والأبلق من الخيل ونحوها: ما اجتمع فيه سواد وبياض.

(٣) الفل: المنهزم، للواحد والجمع، إذانا: مصدر مفعول لفعل محذوف من آذنه إذا أخذ بأذنه، لأن العبد كان يأخذه النخاس بأذنه، وفي الأصل

«وأقواما ذلا»

وقد رجحنا أنها محرفة عن

«ولقوم ذلا»

(٤) السواء: الوسط، السبّة: الدبر.

(٥) العقاص: خيط تريط به الضفيرة، الزّبّة: نرجح أنها إدغام زببه - بالتحريك - جمع زب، وعلى ذلك يكون المعنى إن دبر اليماني تجمع الأيور كما يجمع الخيط الشعر.

(٦) يعقل: يلجأ ويفزع «بالبناء للمجهول».

(٧) تقدم هذا الخبر في الترجمة نفسها.