نسب الفرزدق وأخباره وذكر مناقضاته
  دخل قوم من بني ضبّة على الفرزدق فقالوا له: قبّحك اللَّه من أبن أخت! قد عرّضتنا لهذا الكلب السفيه - يعنون جريرا - حتى يشتم أعراضنا، ويذكر نساءنا، فغضب الفرزدق، وقال: بل قبّحكم اللَّه من أخوال! فو اللَّه لقد(١) شرّفكم من فخري أكثر مما غضّكم من هجاء جرير، أفأنا ويلكم عرّضتكم لسويد بن أبي كاهل حيث يقول:
  لقد زرقت عيناك يا بن مكعبر ... كما كلّ ضبّيّ من اللؤم أزرق
  ترى اللؤم فيهم لائحا في وجوههم ... كما لاح في خيل الحلائب أبلق(٢)
  أو أنا عرّضتكم للأغلب العجليّ حيث يقول:
  لن تجد الضّبّيّ إلَّا فلَّا ... عبدا إذانا ولقوم ذلَّا(٣)
  / مثل قفا المدية أو أكلَّا ... حتى يكون الألأم الأقلَّا
  أو أنا عرّضتكم له حيث يقول:
  إذا رأيت رجلا من ضبّه ... فنكه عمدا في سواء السّبّه(٤)
  إن اليمانيّ عقاص الزّبّه(٥)
  أو أنا عرضتكم لمالك بن نويرة حيث يقول:
  ولو يذبح الضّبيّ بالسيف لم تجد ... من اللؤم للضّبيّ لحما ولا دما!
  واللَّه لما ذكرت من شرفكم، وأظهرت من أيامكم أكثر، ألست القاتل:
  وأنا ابن حنظلة الأغرّ وإنني ... في آل ضبّة للمعمّ المخول
  فرعان قد بلغ السّماء ذراهما ... وإليهما من كل خوف يعقل(٦)
  بنو حرام يخشون لسانه
  : أخبرنا أبو خليفة، عن ابن سلام، عن أبي بكر محمد بن واسع وعبد القاهر قالا:
  كان(٧) فتى في بني حرام بن سماك شويعر، قد هجا الفرزدق، فأخذناه، فأتينا به الفرزدق، وقلنا: هو بين يديك، فإن شئت فاضرب، وإن شئت فاحلق، لا عدوى عليك ولا قصاص، فخلَّى عنه وقال:
  فمن يك خائفا لأذاة قولي ... فقد أمن الهجاء بنو حرام
  هم قادوا سفيههم وخافوا ... قلائد مثل أطواق الحمام
(١) في هج: «لما شرفكم» بدل «لقد شرفكم».
(٢) الحلائب: خيول السباق، والأبلق من الخيل ونحوها: ما اجتمع فيه سواد وبياض.
(٣) الفل: المنهزم، للواحد والجمع، إذانا: مصدر مفعول لفعل محذوف من آذنه إذا أخذ بأذنه، لأن العبد كان يأخذه النخاس بأذنه، وفي الأصل
«وأقواما ذلا»
وقد رجحنا أنها محرفة عن
«ولقوم ذلا»
(٤) السواء: الوسط، السبّة: الدبر.
(٥) العقاص: خيط تريط به الضفيرة، الزّبّة: نرجح أنها إدغام زببه - بالتحريك - جمع زب، وعلى ذلك يكون المعنى إن دبر اليماني تجمع الأيور كما يجمع الخيط الشعر.
(٦) يعقل: يلجأ ويفزع «بالبناء للمجهول».
(٧) تقدم هذا الخبر في الترجمة نفسها.