نسب الفرزدق وأخباره وذكر مناقضاته
  لائذة بقبر أبيه
  : / أخبرنا أبو خليفة، عن محمد بن سلام، قال: حدثني الحكم بن محمد، قال: / كان رجل من قضاعة ثم من بني القين على السّند، وفي حبسه رجل يقال له حبيش - أو خنيش - وطالت غيبته عن أهله، فأتت أمّه قبر غالب بكاظمة، فأقامت عليه، حتى علم الفرزدق بمكانها، ثم إنها أتت فطلبت إليه في(١) أمر ابنها، فكتب إلى تميم القضاعيّ.
  هب لي خنيسا واتّخذ فيه منّة ... لغصّة أمّ ما يسوغ شرابها
  أتتني فعاذت يا تميم بغالب ... وبالحفرة السّافي عليه ترابها
  تميم بن زيد لا تكوننّ حاجتي ... بظهر فلا يخفى عليّ جوابها(٢)
  فلما أتاه الكتاب لم يدر: أخنيس أم حبيش! فأطلقهما جميعا.
  لائذ آخر بقبر أبيه
  : أخبرني أبو خليفة: قال: حدثنا محمد بن سلام: قال: حدثني أبو يحيى الضّبيّ قال: ضرب مكاتب لبني منقر خيمة على قبر غالب، فقدم الناس على الفرزدق فأخبروه أنهم رأوا بناء على قبر غالب أبيه، ثم قدم عليه، وهو بالمربد فقال:
  بقبر ابن ليلى غالب عذت بعد ما ... خشيت الرّدى أو أن أردّ على قسر(٣)
  فخاطبني قبر ابن ليلى وقال لي: ... فكاكك أن تلقى الفرزدق بالمصر
  فقال له الفرزدق: صدق أبي، أنخ أنخ، ثم طاف في الناس، حتى جمع له كتابته وفضلا.
  يعتذر عن مناقضته نفسه
  : أخبرني ابن خلف وكيع، عن هارون بن الزيات، عن أحمد بن حماد بن الجميل، قال: حدثنا القحذميّ، عن ابن عياش: قال:
  / لقيت الفرزدق فقلت له: يا أبا فراس، أنت الذي تقول:
  فليت الأكفّ الدافنات ابن يوسف ... يقطَّعن إذ غيّبن تحت السقائف(٤)
  فقال: نعم، أنا، فقلت له: ثم قلت بعد ذلك له:
  لئن نفر الحجّاج آل معتّب ... لقوا دولة كان العدوّ يدالها(٥)
(١) بعض الأصول تحذف «في».
(٢) تقدمت هذه الأبيات، كما تقدمت القصة نفسها، وإنما أثبتناها تمشيا مع الأصول - على ما في ذلك من تكرار - لما قد يكون في المكرر من اختلاف في الأسلوب أو السند أو نحو ذلك.
(٣) شأن هذه الأبيات مع قصتها شأن سابقتها من التكرار.
(٤) ابن يوسف هو الحجاج، وابن مفعول الدافنات، السقائف: جمع سقيفة، والمراد بها هنا ما يسقف به القبر من حجر ونحوه، يدعو على الأيدي التي دفنت الحجاج بالقطع في معرض رثائه، وفي هج، هد «يحثين» بدل «غيبّن» من حثى التراب يحثيه، وهي لغة في حثاه يحثوه.
(٥) نفر: فاعل فعل محذوف، تقديرة لئن لقي نفر الحجاج، آل معتب بدل من نفر الحجاج، الدولة: الغلبة، كان العدو يدالها: كانت