نسب الفرزدق وأخباره وذكر مناقضاته
  لقد أصبح الأحياء منهم أذلة ... وفي الناس موتاهم كلوحا سبالها(١)
  قال: فقال الفرزدق: نعم، نكون مع الواحد منهم ما كان اللَّه معه، فإذا تخلى منه انقلبنا عليه.
  هل أجاز إياس شهادته؟
  أخبرنا هاشم بن محمد، عن عبد الرحمن بن أخي الأصمعيّ، عن عمه، عن بعض أشياخه قال:
  شهد الفرزدق عند إياس بن معاوية، فقال: أجزنا شهادة الفرزدق أبي فراس، وزيدونا شهودا، فقام الفرزدق فرحا، فقيل له: أما(٢) واللَّه ما أجاز شهادتك قال: بلى، قد سمعته يقول: قد قبلنا شهادة أبي فراس، قالوا: أفما سمعته يستزيد شاهدا آخر؟ فقال: وما يمنعه(٣) ألا يقبل شهادتي، وقد قذفت ألف محصنة!.
  يسترد هبته
  : أخبرنا ابن دريد، عن أبي حاتم، عن أبي عبيدة، عن يونس: قال:
  كان عطية بن جعال الغدانيّ(٤) صديقا ونديما للفرزدق، فبلغ الفرزدق أنّ رجلا / من بني غدانة هجاه وعاون جريرا عليه، وأنه أراد أن يهجو بني غدانة، فأتاه عطية بن جعال فسأله أن يصفح له عن قومه، ويهب له أعراضهم، ففعل، ثم قال:
  أبني غدانة إنني حرّرتكم ... فوهبتكم لعطية بن جعال
  لولا عطية لاجتدعت أنوفكم ... من بين ألأم أعين وسبال(٥)
  فبلغ ذلك عطية، فقال: ما أسرع ما ارتجع أخي(٦) هبته، قبحها اللَّه من هبة ممنونة مرتجعة.
  مجنون يريد أن ينزو عليه
  : / أخبرني وكيع، عن هارون بن محمد: قال: حدثني قبيصة بن معاوية المهلَّبيّ، عن المدائني، عن محمد بن النضر:
  أن الفرزدق(٧) مرّ بباب المفضّل بن المهلَّب، فأرسل إليه غلمة، فاحتملوه، حتى أدخل إليه بواسط، وقد خرج من تيّار ماء كان فيه، فأمر به، فألقى فيه، بثيابه، وعنده ابن أبي علقمة اليحمديّ المجنون، فسعى إلى الفرزدق، فقال له المفضل: ما تريد؟ قال: أريد أن أنيكه وأفضحه، فو اللَّه لا يهجو بعدها أحدا من الأزد، فصاح
تتاح للعدو، وفي هج:
«كان الزمان أزالها»
وهو تحريف يغير المعنى فضلا عما فيه من الأقواء.
(١) هذا البيت جواب القسم في البيت الأول، وضمير منهم يعود على نفر الحجاج، كلوحا: جمع كالح، بمعنى عابس، السبال: جمع سبلة، وهي طرف الشارب، أو طرف اللحية، والبيتان من قصيدة يمدح بها الخليفة، ويهجو الحجاج، وفي بعض النسخ: وفي النار مثواهم بدل «موتاهم».
(٢) في الأصل: (أنا) بدل (أما) وهو تحريف.
(٣) كأنه عدل رأيه في إجازة إياس شهادته، وعلل عدم قبولها.
(٤) في الأصل: «العدواني» بدل «الغداني» وهو تحريف.
(٥) ب، «الديوان»، «النقائض»: «الأم آنف» وهذه الرواية مرجوحة؛ لأنه لا معنى لأن يكون الأنف بين الأنف والسبال، وما أثبتناه من «هج» «والمختار».
(٦) يريد أنه هجاهم هجاء مقذعا في معرض العفو عنهم وذكر هبتهم لصديقه.
(٧) هذا من باب تكرار أخبار أبي الفرج مع تغيير في الأسلوب أو في السند، فقد تقدمت هذه القصة.