كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار خالد بن عبد الله

صفحة 275 - الجزء 22

  خطبة مذكورة، حرضهم فيها. فذكر من روى عنه خبره في ذلك الموضع أنه قام وعليه عمامة خزّ سوداء، وهو متكئّ على قائم سيفه، فقال بعد حمد اللَّه تعالى والصلاة على نبيه : وقد كان من قضاء اللَّه جل وعز أن جمعنا وأهل ديننا في هذه الرقعة من الأرض، واللَّه يعلم أني كنت لذلك كارها، ولكنهم لم يبلعونا ريقنا، ولم يدعونا نرتاد لديننا وننظر لمعادنا، حتى نزلوا في حريمنا وبيضتنا⁣(⁣١). وقد علمنا أنّ بالقوم حلماء وطغاما. فلسنا نأمن طغامهم على ذرارينا ونسائنا، وقد كنا لا نحب أن نقاتل أهل ديننا، فأحرجونا حتى صارت الأمور إلى أن يصير غدا قتالنا حميّة، فإنا للَّه وإنا إليه راجعون، والحمد للَّه رب العالمين، والذي بعث محمدا بالحق لوددت أنّي متّ قبل هذا، ولكن اللَّه تبارك وتعالى إذا أراد أمرا لم يستطع العباد ردّه، فنستعين باللَّه العظيم، ثم انكفأ.

  خمول أبيه عبد اللَّه وخنوثته منذ نشأته

  ولم تكن لعبد اللَّه بن يزيد نباهة من ذكرت من آبائه، وأهل المثالب يقولون: إنه دعيّ، وكان مع عمرو بن سعيد الأشدق على شرطته أيام خلافة عبد الملك بن مروان، فلما قتل عمرو هرب حتى سألت اليمانية عبد الملك فيه لما أمّن الناس عام الجماعة، فأمّنه، ونشأ خالد بن عبد اللَّه بالمدينة، وكان في حداثته يتخنّث، ويتتبع المغنين والمخنثين ويمشي بين عمر بن أبي ربيعة وبين النساء في رسائلهن إليه وفي رسائله إليهن، وكان يقال له خالد الخرّيت⁣(⁣٢) / فقال مصعب الزبيري: كل ما ذكره عمر بن أبي ربيعة في شعره، فقال: أرسلت الخرّيت أو قال:

  أرسلت الجريّ⁣(⁣٣) فإنما يعني خالدا القسريّ، وكان يترسل بينه وبين النساء.

  يظلل بن أبي ربيعة وعشيقته

  أخبرني بذلك الحرميّ ومحمد بن مزيد وغيرهما، عن الزبير، عن عمه، وأخبرني عمي: قال: حدثني الكراني، عن العمريّ، عن الهيثم بن عديّ، قال:

  بينما عمر بن أبي ربيعة ذات يوم يمشي ومعه خالد بن عبد اللَّه القسري، وهو خالد الخزاعي الذي يذكره في شعره إذا هما بأسماء وهند اللتين كان عمر يشبّب بهما، وهما يتماشيان فقصداهما، وجلسا معهما مليّا، فأخذتهم السماء، ومطروا، فقام خالد وجاريتان المرأتين، فظلَّلوا عليهم بمطرفة⁣(⁣٤) وبردين له، حتى كفّ المطر، وتفرقوا، وفي ذلك يقول عمر بن أبي ربيعة:

  /

  أفي رسم دار معك المترقرق ... سفاها وما استنطاق ما ليس ينطق؟

  بحيث التقى جمع ومفضى محسّر ... معالم قد كادت على الدهر تخلق⁣(⁣٥)

  ذكرت بها ما قد مضى من زماننا ... وذكرك رسم الدّار مما يشوّق


(١) البيضة: الحوزة والحمى.

(٢) الخريت: الدليل الماهر في أمر الدلالة.

(٣) الجري: الرسول، أو الوكيل.

(٤) المطرفة: رداء من خز مربع فيه أعلام.

(٥) محسر: اسم مكان، وفي هد «فنان» «بدل» «معالم» وبها يختل الوزن، نخلق: تبلى.