كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار خالد بن عبد الله

صفحة 284 - الجزء 22

  سليمان يضربه مائة سوط

  وقال ابن الكلبي: كان خالد بن عبد اللَّه أميرا على مكة فأمر رأس الحجبة أن يفتح له الباب⁣(⁣١) وهو ينظر، فأبى فضربه مائة سوط. فخرج الشّيبيّ⁣(⁣٢) إلى سليمان بن عبد / الملك يشكوه فصادف الفرزدق بالباب، فاسترفده⁣(⁣٣).

  فلما أذن للناس، ودخلا شكا الشيبيّ ما لحقه من خالد، ووثب الفرزدق، فأنشأ يقول:

  سلوا خالدا لا أكرم اللَّه خالدا ... متى وليت قسر قريشا تدينها⁣(⁣٤)

  أقبل رسول اللَّه أم ذاك بعده! ... فتلك قريش قد أغثّ سمينها⁣(⁣٥)

  رجونا هداه لا هدى اللَّه خالدا ... فما أمّه بالأم يهدى جنينها

  فحمي سليمان وأمر بقطع يد خالد، وكان يزيد بن المهلَّب عنده، فما زال / يفدّيه⁣(⁣٦)، ويقّبل يده، حتى أمر بضربه مائة سوط، ويعفى عن يمينه، فقال الفرزدق في ذلك:

  لعمري لقد صبّت على ظهر خالد ... شآبيب ما استهللن من سبل القطر⁣(⁣٧)

  أيضرب في العصيان من كان طائعا ... ويعصي أمير المؤمنين أخو قسر؟⁣(⁣٨)

  فنفسك لم فيما أتيت فإنما ... جزيت جزاء بالمحدرجة السّمر⁣(⁣٩)

  وأنت ابن نصرانيّة طال بظرها ... غذتك بأولاد الخنازير والخمر

  فلو لا يزيد بن المهلَّب حلَّقت ... بكفك فتخاء إلى الفرخ في الوكر⁣(⁣١٠)

  لعمري لقد صال ابن شيبة صولة ... أرتك نجوم الليل ظاهرة تسري⁣(⁣١١)

  يحبس الفرزدق

  فحقدها خالد على الفرزدق فلما ولَّي، وحفر نهر العراق⁣(⁣١٢) بواسط قال فيه الفرزدق أبياتا يهجوه منها:

  وأهلكت مال اللَّه في غير حقّه ... على النّهر المشؤوم غير المبارك


(١) يريد برأس الحجبة رأس حجبة الكعبة، وبالباب باب الكعبة.

(٢) الشيبي: نسبة إلى بني شيبة الذين كانوا يقومون بسدانة الكعبة.

(٣) استرفده: استعان به.

(٤) تدينها: تخضعها، وتذلها، وفي هج: «تهينها» بدل «تدينها».

(٥) أغث سمينها: هزل ما كان سمينا من إبلها وشاتها.

(٦) يفديه: يقول له: جعلني اللَّه فداءك.

(٧) الشآبيب: جميع شؤبوب، وهو الدفعة من المطر. السبل: المطر.

(٨) يريد أن خالدا يضرب الطائعين، ويعصي هو. وفي «المختار»:

«أيضرب في الإسلام»

(٩) المحدرجة السمر: السياط.

(١٠) الفتخاء: العقاب اللينة الجناحين، يريد: لولا يزيد لقطعت يدك، فالتقطتها عقاب لينة الجناحين، وجعلت منها غذاء لفرخها في وكره.

(١١) يريد أن هذه الصولة أرقتك، فجعلت تراقب النجوم في مساريها.

(١٢) في هد، هج: «وحفر نهار المبارك بالعراق».