أخبار خالد بن عبد الله
  سليمان يضربه مائة سوط
  وقال ابن الكلبي: كان خالد بن عبد اللَّه أميرا على مكة فأمر رأس الحجبة أن يفتح له الباب(١) وهو ينظر، فأبى فضربه مائة سوط. فخرج الشّيبيّ(٢) إلى سليمان بن عبد / الملك يشكوه فصادف الفرزدق بالباب، فاسترفده(٣).
  فلما أذن للناس، ودخلا شكا الشيبيّ ما لحقه من خالد، ووثب الفرزدق، فأنشأ يقول:
  سلوا خالدا لا أكرم اللَّه خالدا ... متى وليت قسر قريشا تدينها(٤)
  أقبل رسول اللَّه أم ذاك بعده! ... فتلك قريش قد أغثّ سمينها(٥)
  رجونا هداه لا هدى اللَّه خالدا ... فما أمّه بالأم يهدى جنينها
  فحمي سليمان وأمر بقطع يد خالد، وكان يزيد بن المهلَّب عنده، فما زال / يفدّيه(٦)، ويقّبل يده، حتى أمر بضربه مائة سوط، ويعفى عن يمينه، فقال الفرزدق في ذلك:
  لعمري لقد صبّت على ظهر خالد ... شآبيب ما استهللن من سبل القطر(٧)
  أيضرب في العصيان من كان طائعا ... ويعصي أمير المؤمنين أخو قسر؟(٨)
  فنفسك لم فيما أتيت فإنما ... جزيت جزاء بالمحدرجة السّمر(٩)
  وأنت ابن نصرانيّة طال بظرها ... غذتك بأولاد الخنازير والخمر
  فلو لا يزيد بن المهلَّب حلَّقت ... بكفك فتخاء إلى الفرخ في الوكر(١٠)
  لعمري لقد صال ابن شيبة صولة ... أرتك نجوم الليل ظاهرة تسري(١١)
  يحبس الفرزدق
  فحقدها خالد على الفرزدق فلما ولَّي، وحفر نهر العراق(١٢) بواسط قال فيه الفرزدق أبياتا يهجوه منها:
  وأهلكت مال اللَّه في غير حقّه ... على النّهر المشؤوم غير المبارك
(١) يريد برأس الحجبة رأس حجبة الكعبة، وبالباب باب الكعبة.
(٢) الشيبي: نسبة إلى بني شيبة الذين كانوا يقومون بسدانة الكعبة.
(٣) استرفده: استعان به.
(٤) تدينها: تخضعها، وتذلها، وفي هج: «تهينها» بدل «تدينها».
(٥) أغث سمينها: هزل ما كان سمينا من إبلها وشاتها.
(٦) يفديه: يقول له: جعلني اللَّه فداءك.
(٧) الشآبيب: جميع شؤبوب، وهو الدفعة من المطر. السبل: المطر.
(٨) يريد أن خالدا يضرب الطائعين، ويعصي هو. وفي «المختار»:
«أيضرب في الإسلام»
(٩) المحدرجة السمر: السياط.
(١٠) الفتخاء: العقاب اللينة الجناحين، يريد: لولا يزيد لقطعت يدك، فالتقطتها عقاب لينة الجناحين، وجعلت منها غذاء لفرخها في وكره.
(١١) يريد أن هذه الصولة أرقتك، فجعلت تراقب النجوم في مساريها.
(١٢) في هد، هج: «وحفر نهار المبارك بالعراق».