كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار خالد بن عبد الله

صفحة 287 - الجزء 22

  وقال المدائين في خبره:

  خبير بلغة الحمير

  كان خالد يوما يخطب على المنبر. وكان لحنة، وكان له مؤدب يقال له: الحسين بن رهمة⁣(⁣١) الكلبيّ، وكان يجلس بإزائه، فإذا شك في شيء أومأ إليه، وكان لخالد صديق من تغلب زنديق يقال له زمزم، فلما قام يخطب على المنبر قام إليه التغلبي في وسط خطبته، وقال: قد حضرتني مسألة، قال: ويحك! أما ترى الشيطان عينه في عيني، يعني حسينا، قال: لا بد واللَّه منها، قال: هاتها، قال: أخبرني، قلمسان⁣(⁣٢) إذا ساف⁣(⁣٣)، ثم رفع رأسه وكرف⁣(⁣٤) أيّ شيء يقول؟ قال: أراه يقول: ما أطيبه يا رباه، قال: صدقت ما كان ليستشهد على هذا سوى ربه.

  رأيه في حفظة القرآن

  قال المدائني: وقال خالد يوما على المنبر: هذا كما قال اللَّه ø: أعوذ باللَّه من / الشيطان الرجيم ثم أرتج عليه، فقال للتغلبي: قم فافتح عليّ يا أبا زمزم سورة كذا وكذا، فقال: خفّض عليك أيها الأمير، لا يهولنّك ذلك، فما رأيت قط عاقلا حفظ القرآن، وإنما يحفظه الحمقى من الرجال، قال: صدقت، يرحمك اللَّه.

  يهب المغنية للقصاص

  وقال المدائنيّ: حدّثني أبو يعقوب الثقفيّ، قال:

  قال خالد بن عبد اللَّه للعريان: يا عريان، أعجزت عن الشّرط، حتى أولَّي / غيرك! فإن الغناء قد فشا وظهر قال: لم أعجز، وإن شئت فاعزلني، فقال له: خذلى المغّنيات، فأحضره خمسا منهن أو ستّا، فأدخلهنّ إليه، فنظر إلى واحدة منهن بيضاء دعجاء؛ كأنّها أشربت ماء الذهب، فدعا لها بكرسيّ، فجلست. ثم قال لها: اين البربط⁣(⁣٥) الذي كانت تضرب به؟ فأحضر، ثم سوّته، فغنت:

  إلى خالد حتّى أنخن بخالد ... فنعم الفتى يرجى ونعم المؤمّل

  فقال: اعدلي عن هذا إلى غيره، فغنّت:

  أروح إلى القصّاص كل عشيّة ... أرجّى ثواب اللَّه في عدد الخطا

  قال: وأقبل قاصّ المصر. فقال له خالد: أكانت هذه تروح إليك؟ قال: لا، وما مثلها يروح إليّ، قال: خذ بيدها فهي لك، ومولاها بالباب، فسأل عنها فقيل: وهبها للقاصّ، فتحمّل⁣(⁣٦) عليه بأشراف الكوفة، فلم يرددها، حتى اشتراها منه بمائتي دينار.


(١) في بعض النسخ: دهمة.

(٢) كذا بالأصل، والذي في هج وهد: أخبرني عن الحمار إذا ساف وكرف، ثم رفع رأسه، وكرف، أي شي يقول؟ «وليس بين أيدينا من المعاجم ما يفيد أن كلمة» قلمسان «تطلق على الحمار أو غيره.

(٣) ساف: شم.

(٤) كرف الحمار وغيره: شم بول الأتان، ثم رفع رأسه، وقلب جحفلته.

(٥) البربط - كجعفر - العود، وهو لفظ معرب عن «بر»، «بط» بمعنى صدر الإوز، لأن شكل العود يشبه شكل صدر الأوز.

(٦) تحمل: توسل.