أخبار خالد بن عبد الله
  وقال المدائين في خبره:
  خبير بلغة الحمير
  كان خالد يوما يخطب على المنبر. وكان لحنة، وكان له مؤدب يقال له: الحسين بن رهمة(١) الكلبيّ، وكان يجلس بإزائه، فإذا شك في شيء أومأ إليه، وكان لخالد صديق من تغلب زنديق يقال له زمزم، فلما قام يخطب على المنبر قام إليه التغلبي في وسط خطبته، وقال: قد حضرتني مسألة، قال: ويحك! أما ترى الشيطان عينه في عيني، يعني حسينا، قال: لا بد واللَّه منها، قال: هاتها، قال: أخبرني، قلمسان(٢) إذا ساف(٣)، ثم رفع رأسه وكرف(٤) أيّ شيء يقول؟ قال: أراه يقول: ما أطيبه يا رباه، قال: صدقت ما كان ليستشهد على هذا سوى ربه.
  رأيه في حفظة القرآن
  قال المدائني: وقال خالد يوما على المنبر: هذا كما قال اللَّه ø: أعوذ باللَّه من / الشيطان الرجيم ثم أرتج عليه، فقال للتغلبي: قم فافتح عليّ يا أبا زمزم سورة كذا وكذا، فقال: خفّض عليك أيها الأمير، لا يهولنّك ذلك، فما رأيت قط عاقلا حفظ القرآن، وإنما يحفظه الحمقى من الرجال، قال: صدقت، يرحمك اللَّه.
  يهب المغنية للقصاص
  وقال المدائنيّ: حدّثني أبو يعقوب الثقفيّ، قال:
  قال خالد بن عبد اللَّه للعريان: يا عريان، أعجزت عن الشّرط، حتى أولَّي / غيرك! فإن الغناء قد فشا وظهر قال: لم أعجز، وإن شئت فاعزلني، فقال له: خذلى المغّنيات، فأحضره خمسا منهن أو ستّا، فأدخلهنّ إليه، فنظر إلى واحدة منهن بيضاء دعجاء؛ كأنّها أشربت ماء الذهب، فدعا لها بكرسيّ، فجلست. ثم قال لها: اين البربط(٥) الذي كانت تضرب به؟ فأحضر، ثم سوّته، فغنت:
  إلى خالد حتّى أنخن بخالد ... فنعم الفتى يرجى ونعم المؤمّل
  فقال: اعدلي عن هذا إلى غيره، فغنّت:
  أروح إلى القصّاص كل عشيّة ... أرجّى ثواب اللَّه في عدد الخطا
  قال: وأقبل قاصّ المصر. فقال له خالد: أكانت هذه تروح إليك؟ قال: لا، وما مثلها يروح إليّ، قال: خذ بيدها فهي لك، ومولاها بالباب، فسأل عنها فقيل: وهبها للقاصّ، فتحمّل(٦) عليه بأشراف الكوفة، فلم يرددها، حتى اشتراها منه بمائتي دينار.
(١) في بعض النسخ: دهمة.
(٢) كذا بالأصل، والذي في هج وهد: أخبرني عن الحمار إذا ساف وكرف، ثم رفع رأسه، وكرف، أي شي يقول؟ «وليس بين أيدينا من المعاجم ما يفيد أن كلمة» قلمسان «تطلق على الحمار أو غيره.
(٣) ساف: شم.
(٤) كرف الحمار وغيره: شم بول الأتان، ثم رفع رأسه، وقلب جحفلته.
(٥) البربط - كجعفر - العود، وهو لفظ معرب عن «بر»، «بط» بمعنى صدر الإوز، لأن شكل العود يشبه شكل صدر الأوز.
(٦) تحمل: توسل.