أخبار خالد بن عبد الله
  هشام يضيق به ذرعا فيقرعه
  : وقال المدائنيّ؛ قال خالد في خطبته: واللَّه ما إمارة العراق ممّا يشرفني، فبلغ ذلك هشاما، فغاظه جدّا، وكتب إليه:
  بلغني يا بن النّصرانية أنك تقول: إن إمارة العراق ليست مما يشرفك، صدقت واللَّه، ما شيء يشرفك، وكيف تشرف وأنت دعيّ إلى بجيلة القبيلة القليلة الذليلة، أما واللَّه إني لأظنّ أن أول ما يأتيك ضغن من قيس(١)، فيشد يديك إلى عنقك.
  هشام ينكل به تنكيلا
  وقال المدائني: حدثني شبيب بن شيبة عن خالد بن صفوان بن الأهتم / قال: لم تزل أفعال خالد به(٢)، حتى عزله هشام، وعذّبه، وقتل ابنه يزيد بن خالد، فرأيت في رجله شريطا قد شدّ به، والصبيان يجرونه، فدخلت إلى هشام يوما، فحدثته، وأطلت، فتنفس. ثم قال: يا خالد، ربّ خالد كان أحبّ إليّ قربا، وألذّ عندي حديثا منك، قال: يعني خالدا القسري، فانتهزتها، ورجوت أن أشفع له فتكون لي عند خالد يد، فقلت: يا أمير المؤمنين، فما يمنعك من استئناف الصنيعة عنده؟ فقد أدّبته بما فرط منه، فقال: هيهات، إن خالدا أوجف(٣) فأعجف، وأدلّ(٤) فأملّ، وأفرط في الإساءة فأفرطنا في المكافأة، فحلم الأديم(٥)، ونغل الجرح(٦)، وبلغ السيل الزّبى(٧) والحزام الطَّبيين(٨)، فلم يبق فيه مستصلح، ولا للصنيعة عنده موضع، عد إلى حديثك.
  عود إلى تخنثه ودورانه في فلك عمر بن أبي ربيعة
  فأمّا أخباره في تخنثه وإرسال عمر بن أبي ربيعة إياه إلى النساء، فأخبرني به عليّ بن صالح بن الهيثم عن أبي هفّان، عن إسحاق بن إبراهيم الموصلي، عن عثمان بن إبراهيم الحاطبي، وأخبرني الحرميّ بن أبي العلاء، قال:
  حدثني الزبير بن بكر، قال: / حدثني محمد بن الحارث بن سعد السعيدي، عن إبراهيم بن قدامة الحاطبيّ، عن أبيه، واللفظ لعلي بن صالح في خبره، قالا(٩): قال الحاطبي:
  أتيت عمر بن أبي ربيعة بعد أن نسك بسنين، فانتظرته في مجلس قومه، حتى إذا تفرق القوم دنوت منه، ومعي صاحب لي، فقال لي صاحبي: هل لك في أن / تريغه(١٠) عن الغزل، فنظر هل بقي منه شيء عنده؟ فقلت
(١) ضغن: حاقد عليك من قيس الذين لا تفتأ تنال منهم.
(٢) متعلق الجار والمجرور محذوف، تقديره «عالقة» أو مزرية به، أو نحو ذلك.
(٣) لعله يريد بقوله: «أوجف فأعجف» أسرع في الإساءة، وتمادى فيها، فأصاب منزلته عندنا بالهزال والعجف.
(٤) أدل فأمل، أكثر من الإدلال، فسبب لنا السامة والإملال.
(٥) الأديم: الجلد، حلم: كثر دوده، حتى تثقب وفسد.
(٦) نغل الجرح: تعفن، وفسد.
(٧) الزبى: جمع زبية، وهي الربوة لا يصل إليها الماء، فإذا وصل إليها كان ذلك نذيرا بخطر السيل، وجملة «بلغ السيل الزبى» مثل يضرب عند تفاقم الخطر، وبلوغه مداه.
(٨) الطبي - بضم الطاء وكسرها - حلمة ثدي الناقة ونحوها، وجملة «جاوز الحزام الطبيين: كسابقتها تضرب مثلا في تفاقم الأمر، وبها تمثل عثمان بن عفان في خطابه إلى علي بن أبي طالب، حينما استعداه على الثائرين عليه».
(٩) ضمير «قالا» لعلي بن صالح والحرمي بن أبي العلاء.
(١٠) تريغه: من أراغه عن الأمر وعليه: طلبه منه.