أخبار صخر بن الجعد ونسبه
  مررت على خيمات كأس فأسبلت ... مدامع عيني والرياح تميلها
  / وفي دارهم قوم سواهم فأسبلت ... دموع من الأجفان فاض مسيلها
  كذاك الليالي ليس فيها بسالم ... صديق ولا يبقى عليها خليلها
  وقال وهو بالشام:
  ألا ليت شعري هل تغيّر بعدنا ... عن العهد أم أمسى على حاله نجد؟
  وعهدي بنجد منذ عشرين حجّة ... ونحن بدنيا ثمّ لم نلقها بعد
  به الخوصة الدهماء تحت ظلالها ... رياض بها الحوذان والنّفل الجعد(١)
  قال: ومرّ على غدير كانت كأس تشرب منه ويحضره أهلها ويجتمعون عليه، فوقف طويلا عليه يبكي وكان يقال لذلك الغدير جنان فقال صخر:
  بليت كما يبلى الرّداء ولا أرى ... جنانا ولا أكناف ذروة تخلق(٢)
  ألوّى حيازيمي بهنّ صبابة ... كما تتلوّى الحيّة المتشرّق(٣)
  تموت كأس فيرثيها
  أخبرني عبد اللَّه بن مالك، عن محمد بن حبيب، قال: قال السّعيديّ(٤): حدثني سبرة مولى يزيد بن العوّام، قال:
  / كان صخر بن الجعد المحاربي خدنا لعوّام بن عقبة، وكان عوّام يهوى امرأة من قومه، يقال لها: سوداء، فماتت، فرثاها، فلما سمع صخر بن الجعد المرثية، قال: وددت أن أعيش حتى تموت كأس، فأرثيها، فماتت كأس، فقال:
  على أمّ داود السلام ورحمة ... من اللَّه يجري كلّ يوم بشيرها
  غداة غدا الغادون عنها وغودرت ... بلمّاعة القيعان يستنّ مورها(٥)
  وغيّبت عنها يوم ذاك وليتني ... شهدت فيحوى منكبيّ سريرها(٦)
  ويروى: فيعلو منكبي.
(١) الخوص: ورق النخل والمقل والنار جبل وما شاكلها، الحوذان: نبات عشبي، النفل: نبت طيب الرائحة أصفر الزهر، وفي الأصل «بقل» وهو تصحيف.
(٢) جنان، وذروة: مكانان.
(٣) الحيزوم: الصدر أو وسطه، الحية المتشرق: التي تحاول الدفء عند شروق الشمس.
(٤) في هج: «السعدي» بدل «السعيدي».
(٥) لمّاعة القيعان: فلاة يلمع السراب أو البرق في زمانها، يستن: يسرع، المور: الغبار تطير به الرياح كل مطار.
(٦) يكنى بقوله: يحوي منكبي سريرها «عن احتضانها أو حملها إلى القبر، ويؤيد المعنى الثاني رواية» فيعلو «التي أشار إليها المؤلف، وهي أجود.