أخبار أبي حفص الشطرنجي ونسبه
  صوت
  سلام على النازح المغترب ... تحية صبّ به مكتئب
  غزال مراتعه بالبليخ ... إلى دير زكَّي فقصر الخشب
  / أيا من أعان على نفسه ... بتخليفه طائعا من أحب(١)
  سأستر والسّتر من شيمتي ... هوى من أحبّ بمن لا أحب(٢)
  / فلما ورد كتابه عليها أمرت أبا حفص الشّطرنجيّ صاحب عليّة، فأجاب الرشيد عنها بهذه الأبيات، فقال:
  أتاني كتابك يا سيدي ... وفيه العجائب كلّ العجب
  أتزعم أنّك لي عاشق ... وأنك بي مستهام وصبّ
  فلو كان هذا كذا لم تكن ... لتتركني نهزة للكرب
  وأنت ببغداد ترعى بها ... نبات اللَّذاذة مع من تحبّ
  فيا من جفاني ولم أجفه ... ويا من شجاني بما في الكتب
  كتابك قد زادني صبوة ... وأسعر قلبي بحرّ اللَّهب
  فهبني نعم قد كتمت الهوى ... فكيف بكتمان دمع سرب
  ولولا اتقاؤك يا سيدي ... لو افتك بي النّاجيات النّجب(٣)
  فلما قرأ الرشيد كتابها أنفذ من وقته خادما على البريد، حتى حدرها(٤) إلى بغداد في الفرات، وأمر المغنين جميعا، فغنّوا في شعره.
  قال الأصبهاني: فممّن غنّى فيه إبراهيم الموصلَّي؛ غنى فيه لحنين، أحدهما ما خوريّ، والآخر ثاني ثقيل عن الهشامي. وغنى يحيى بن سعد(٥) بن بكر بن صغير العين فيه رملا. ولابن جامع فيه رمل بالبنصر، ولفليح بن العوراء ثاني ثقيل بالوسطى، وللمعّلي خفيف رمل بالوسطى، ولحسين بن محرز هزج بالوسطى، ولأبي زكار الأعمى هزج بالبنصر، هذه الحكايات كلها عن الهشامي، وقال: كان المختار من هذه الألحان كلها عند الرشيد الذي اشتهاه منها وارتضاه لحن سليم.
  يصلح بين الرشيد وعليّة بأبياته
  أخبرني جعفر بن قدامة بن زياد الكاتب، قال:
  حدثني محمد بن يزيد النحوي، قال: حدثني جماعة من كتّاب السلطان:
(١) من في المصراع الثاني مفعول تخليف، ويريد بإعانتها على نفسها أنها تسببت في هجر الخليفة إياها.
(٢) يريد أنه سيتظاهر بحب من لا يحب ليستر حبها هي في نفسه على حد قول الشاعر:
أصافح من لاقيت في البيت غيرها ... وكل هوى نفسي لمن لا أصافح
(٣) الناجيات النجب: الإبل الأصيلة السريعة.
(٤) حدر الشيء: دحرجه من علو إلى أسفل، والمراد هنا أنه استقدمها من الرقة.
(٥) في هد، هج: «يحيى بن صفر».