كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر الخبر في حروب الفجار وحروب عكاظ

صفحة 309 - الجزء 22

  اليوم الأول من أيام الفجار الثاني

  قال: ثم كان يوم الفجار الثاني، وأول يوم حروبه يوم نخلة، وبينه وبين مبعث النبي ست / وعشرون سنة، وشهد النبي ذلك اليوم مع قومه، وله أربع عشرة سنة، وكان يناول عمومته النّبل، هذا قول أبي عبيدة. وقال غيره: بل شهدها، وهو ابن ثمان وعشرين سنة.

  قال أبو عبيدة: كان الذي هاج هذه الحرب يوم الفجار الآخر، أن البراض بن قيس بن رافع، أحد بني ضمرة ابن بكر بن عبد مناة بن كنانة كان سكَّيرا فاسقا، خلعه / قومه، وتبرؤا منه فشرب في بني الدّيل، فخلعوه، فأتى مكة، وأتى قريشا، فنزل على حرب بن أمية، فحالفه فأحسن حرب جواره، وشرب بمكة، حتى همّ حرب أن يخلعه، فقال لحرب: إنه لم يبق أحد، ممن يعرفني إلَّا خلعني سواك، وإنك إن خلعتني لم ينظر إليّ أحد بعدك، فدعني على حلفك، وأنا خارج عنك، فتركه. وخرج، فلحق بالنعمان بن المنذر بالحيرة.

  من يجيز لطيمة النعمان

  وكان النعمان يبعث إلى سوق عكاظ في وقتها بلطيمة⁣(⁣١) يجيزها له سيّد مضر، فتباع، ويشترى له بثمنها الأدم والحرير والوكاء والحذاء والبرود من العصب⁣(⁣٢) والوشي والمسيّر⁣(⁣٣) والعدني⁣(⁣٤)، وكانت سوق عكاظ في أول ذي القعدة، فلا تزال قائمة يباع فيها ويشترى إلى حضور الحج، وكان قيامها فيما بين النخلة⁣(⁣٥) والطائف عشرة أميال، وبها نخل وأموال لثقيف، فجهز النعمان لطيمة له، وقال: من يجيزها فقال البرّاض: أنا أجيزها على بني كنانة، فقال النعمان: إنما أريد رجلا يجيزها على أهل نجد، فقال عروة الرحال⁣(⁣٦) بن عتبة بن جعفر بن كلاب، وهو يومئذ رجل من هوازن: أنا أجيزها - أبيت اللعن - فقال له البراض: من⁣(⁣٧) بني كنانة تجيزها يا عرورة؟ قال: نعم، وعلى الناس جميعا أفكلب خليع يجيزها⁣(⁣٨)!.

  قال: ثم شخص بها، وشخص البرّاض، وعروة يرى مكانه، لا يخشاه على ما صنع، حتى إذا كان بين ظهري غطفان إلى جانب فدك، بأرض يقال لها أوارة قريب من / الوادي الذي يقال له تيمن نام عروة في ظلّ شجرة، ووجد البرّاض غفلته، فقتله وهرب في عضاريط⁣(⁣٩) الركاب، فاستاق الركاب، وقال البراض في ذلك:

  وداهية يهال الناس منها ... شددت لها بني بكر ضلوعي⁣(⁣١٠)


(١) اللطيمة: عير تحمل المسك والبز وغيرهما للتجارة.

(٢) كذا في النسخ، ولعل «العصب» تحريف «القصب» بالقاف لا بالعين، وهو ثياب رقيقة منسوجة من الكتان.

(٣) المسير: ثوب به خطوط من القز والحرير ونحو ذلك.

(٤) العدني، لعله نوع من عروض التجارة ينسب إلى عدن.

(٥) في هد، هج: «نخلة» بدون أداة التعريف.

(٦) في هج: «عروة الرجال» بالجيم لا بالحاء.

(٧) في هد، هج: «وعلى بني كنانة تجيزها يا عروة؟».

(٨) يقصد بالكلب البراض نفسه.

(٩) العضاريط: جمع عضروط، وهو الخادم أو الأجير.

(١٠) بني بكر: منادى، ضلوعي: مفعول «شددت»، وقد يصح اعتبار بني بكر مفعول «شددت» وعليه تكون «ضلوعي» بدلا من بني بكر، بمعنى أنصاري وأعواني.