ذكر الخبر في حروب الفجار وحروب عكاظ
  سلاح هوازن، فقال له ابن جدعان: أبا الغدر تأمرني يا حرب؟ واللَّه لو أعلم أنه لا يبقى منها سيف إلا ضربت به، ولا رمح إلا طعنت به ما أمسكت منها شيئا(١)، ولكن لكم / مائة درع، ومائة رمح، ومائة سيف في مالي تستعينون بها، ثم صاح ابن جدعان في الناس: من كان له قبلي سلاح فليأت، وليأخذه، فأخذ الناس أسلحتهم.
  يخدعون هوازن فلا تجدي الخديعة
  وبعث ابن جدعان وحرب بن أميّة وهشام والوليد إلى أبي براء(٢): إنه قد كان بعد خروجنا حرب، وقد خفنا تفاقم الأمر، فلا تنكروا خروجنا، وساروا راجعين إلى مكة، فلما كان آخر النهار بلغ أبا براء قتل البراض عروة، فقال: خدعني حرب وابن جدعان، وركب فيمن حضر عكاظ من هوازن في أثر القوم، فأدركوهم بنخلة، فاقتتلوا حتى دخلت قريش الحرم، وجنّ عليهم الليل، فكفّوا، ونادى الأدرم بن شعيب، أحد بني عامر بن ربيعة بن صعصعة: يا معشر قريش، ميعاد ما بيننا هذه الليلة(٣) من العام المقبل بعكاظ، وكان يومئذ رؤساء قريش حرب بن أميّة في القلب، وابن جدعان في إحدى المجنبتين، وهشام بن المغيرة في الأخرى، وكان سؤساء قيس عامر بن مالك، ملاعب الأسنّة على بني عامر، وكدّام بن عمير على فهم وعدوان، ومسعود بن سهم على ثقيف، وسبيع بن ربيعة النصري(٤) على بني نصر بن معاوية، والصّمّة بن الحارث، وهو أبو دريد بن الصمة على بني جشم، وكانت الراية مع حرب بن أميّة، وهي راية قصيّ التي يقال لها العقاب.
  شعر خداش بن زهير في هذه الحرب
  فقال في ذلك خداش بن زهير:
  يا شدّة ما شددنا غير كاذبة ... على سخينة لولا الليل والحرم(٥)
  / إذ يتّقينا هشام بالوليد ولو ... أنّا ثقفنا هشاما شالت الخدم(٦)
  بين الأراك وبين المرج تبطحهم ... زرق الأسنّة في أطرافها السّهم(٧)
  فإن سمعتم بجيش سالك سرفا ... وبطن مرّ فأخفوا الجرس واكتتموا(٨)
(١) نقول: وهذا مثل من أمثلة الوفاء العربي، يغطي على ما ينسب إلى السموءل بن عادياء اليهودي.
(٢) يبدو من سياق الحديث أن أبا براء هذا كان صاحب رأي في هوازن.
(٣) في هد، هج: «هذه الليالي».
(٤) في هد: «النضري» بالضاد المعجمة.
(٥) الشدة: يريد بها الهجوم، ما شددنا: ما شددناها: سخينة: لقب يطلق على قريش، وهو في الأصل طعام كانت تتخذه، فأطلق عليها، يريد أننا هجمنا على قريش هجمة صادقة، فلم ينقذها من أيدينا إلا هجوم الليل واعتصامها بالحرم.
(٦) هشام: هو هشام بن المغيرة، والوليد: هو أخوه، ويريد بذلك أن الدائرة كانت على قريش، حتى كان أحدهم يتقي الموت بأخيه ليقتل بدله، ثقفه: أدركه، شالت: ارتفعت، الخدم: جمع خدمة، وهي الحلقة المحكمة، وجملة
«شالت الخدم»
كناية عن الهزيمة، يقال: فض اللَّه خدمتهم: فرق جمعهم.
(٧) السهم - بضم السين والهاء - الحرارة الغالبة، يريد أننا كنا نبطحهم بطعن الأسنة الزرقاء الحامية الأطراف بين هذين المكانين.
(٨) سرف، وبطن مر: مكانان، يريد أنهم ينبغي عليهم حينما يسمعون بجيشهم أن يختفوا عن العيون، ويكفوا عن الهمس، حتى لا يعرف مكانهم.