أخبار ابن ميادة ونسبه
  لهم حاضر بالهجم لم أر مثلهم ... من الناس حيّا أهل بدو ولا حضر
  وخير معدّ مجلسا مجلس لهم ... يفيء عليه الظلّ من جانب القصر
  أخصّ بها روقي عيينة إنه ... كذاك ضحاح(١) الماء يأوي إلى الغمر(٢)
  فأنتم أحقّ الناس أن تتخيّروا ال ... مياه وأن ترعوا ذرى البلد القفر
  قال: فكان أوّل قائم من القوم ركضة بن عليّ بن عيينة، وهو ابن عمّ أبان وعبدة بنت أبان، وكانت إبله في العطن(٣) وهي أكرم نعم بني عيينة وأكثره، فقال: ما سمعت كاليوم مديح قوم [قطَّ](٤)، حكمك ماض في هذه الإبل؛ ثم قام آخر فقال مثل ذلك، وقام آخر وآخر؛ فقال ابن ميّادة: / يا بني عيينة، إني لم آتكم لتتبارى لي شياطينكم في أموالكم، إنما كان عليّ دين فأردت أن تعطوني أبكرا أبيعها في ديني. فأقام عند أبان بن سعيد خمسة عشر يوما، ثم راح بتسع عشرة ناقة، فيها ناقة لابن أبان عشراء أو رباعية. قال يحيى في خبره: وقال يعقوب بن جعفر بن أبان بن سعيد بن عيينة:
  إنّي على الهجم يوما إذا أقبل رجل فجعل يصرّف(٥) راحلته في الحياض فيردّه الرجل بعد الرجل، فدعوته فقلت:
  اشرع(٦) في هذا الحوض؛ فلما شرع فسقى(٧) قال: من هذا الفتى؟ فقيل: هذا جعفر بن أبان بن سعيد بن عيينة؛ فقال:
  بنو الصالحين الصالحون ومن يكن ... لآباء سوء يلقهم حيث سيّرا(٨)
  فما العود إلا نابت في أرومه(٩) ... أبي شجر العيدان أن يتغيّرا
  قال إسحاق: سألت أبا داود عن قوله:
  كذاك ضحاح(١٠) الماء يجري إلى الغمر
  فقال: أراد أنّ الأمر كلَّه والسؤدد يصير إليه، كما يصير الماء إلى الغمرة حيث كانت.
  ابن ميادة وأيوب بن سلمة
  أخبرنا يحيى بن عليّ قال حدثنا أبو أيوب المدينيّ قال أخبرني مصعب بن الزبير قال:
(١) لم توجد هذه الصيغة في «كتب اللغة» التي بأيدينا وإنما الموجود «ضحضح» و «ضحضاح». ولعله «ضحال الماء تأوي» جمع ضحل وهو الماء القليل.
(٢) الغمر: الماء الكثير كالغمرة.
(٣) العطن للإبل: كالوطن للناس، وقد غلب على مبركها حول الحوض.
(٤) زيادة في أ، م، ح.
(٥) يصرف راحلته: يردّها ويصرفها من حوض إلى آخر.
(٦) شرعت الدواب في الماء (وزان منع): دخلت فيه، وشرع فلان في الماء: تناوله بكفيه أو دخل فيه، وشرع إبله: أوردها شريعة الماء.
(٧) في ط: «فلما أشرع يسقي». وأشرع كشرع.
(٨) سير: ذكر سير الأوائل، ويحتمل أن يكون بمعنى «سار» وشدّد الفعل للمبالغة وإن لم توجد هذه الصيغة في «كتب اللغة» التي بأيدينا.
(٩) الأروم: الأصل كالأرومة.
(١٠) انظر حاشية رقم ٢ من الصفحة السابقة.