كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر الخبر في حروب الفجار وحروب عكاظ

صفحة 314 - الجزء 22

  هم خير المعاشر من قريش ... وأوراها إذا قدحت زنودا

  بأنّا يوم شمطة قد أقمنا ... عمود المجد إنّ له عمودا

  جلبنا الخيل ساهمة إليهم ... عوابس يدّرعن النقع قودا⁣(⁣١)

  فبتنا نعقد السّيما وباتوا ... وقلنا: صبّحوا الأنس الحديدا⁣(⁣٢)

  فجاؤوا عارضا بردا وجئنا ... كما أضرمت في الغاب الوقودا⁣(⁣٣)

  ونادوا: يا لعمرو لا تفرّوا ... فقلنا: لا فرار ولا صدودا

  / قوله: نعقد السيّما أي العلامات:

  فعاركنا الكماة وعاركونا ... عراك النّمر عاركت الأسودا⁣(⁣٤)

  فولَّوا نضرب الهامات منهم ... بما انتهكوا المحارم والحدودا

  تركنا بطن شمطة من علاء ... كأنّ خلالها معزا⁣(⁣٥) شريدا

  ولم أر مثلهم هزموا وفلَّوا ... ولا كذيادنا عنقا مذودا⁣(⁣٦)

  قوله: يا لعمرو، يعني عمرو بن عامر بن ربيعة بن عامر بن صعصعة.

  اليوم الثالث يوم العبلاء

  ثم كان اليوم الثالث من أيام الفجار، وهو يوم العبلاء، فجمع القوم بعضهم لبعض، والتقوا على قرن الحول بالعبلاء - وهو موضع قريب من عكاظ - ورؤساؤهم يومئذ على ما كانوا عليه يوم شمطة، وكذلك من كان على المجنبتين، فاقتتلوا قتالا شديدا، فانهزمت كنانة، فقال خداش بن زهير في ذلك:

  خداش يستمر في التسجيل بشعره

  ألم يبلغك بالعبلاء أنّا ... ضربنا خندقا حتى استقادوا⁣(⁣٧)

  نبنّي بالمنازل عزّ قيس ... وودّوا لو تسيخ بنا البلاد⁣(⁣٨)

  وقال أيضا:

  ألم يبلغك ما لاقت قريش ... وحيّ بني كنانة إذ أثيروا


(١) ساهمة: ضامرة، يدر عن النقع: يلبسن الغبار درعا، قودا: جمع أقود، وهو السلس القياد، أو الطويل العنق والظهر.

(٢) صبحوا القوم الحديد: اسقوهم في الصباح الحديد بدل اللبن أو الخمر.

(٣) العارض: السحاب، البرد: ذو البرد - بفتح الراء - وهو ما يسقط متجمدا من السماء على شكل حبيبات صغيرة.

(٤) النمر: ككتف: ضرب من السباع، والجمع أنمر وأنمار ونمر ونمر ونمار، وأكثر كلام العرب نمر كقفل جمع نمر.

(٥) معز - بفتح العين أو سكونها، أو معزى - بكسر الميم وسكون العين - كما في بعض النسخ، كل هذا بمعنى واحد.

(٦) فلوا: ضعفوا وانهزموا، وفي رواية: «قلوا» بالقاف المثناة، والمعنى متقارب، ذياد: مصدر ذاد: دفع وصد، العنف: الجماعة من الناس، يقول: لم أر مثلهم في الشجاعة انهزموا، ولم أر مثل صدنا لجموعهم وتغلبنا عليهم.

(٧) استقادوا: انقادوا، وخضعوا.

(٨) نبني: مضعف «بني» بالتخفيف، تسيخ بنا البلاد: تنخسف.