ذكر الخبر في حروب الفجار وحروب عكاظ
  /
  دهمناهم بأرعن مكفهرّ ... فظلّ لنا بعقوتهم زئير(١)
  نقوم مارن الخطَّيّ فيهم ... يجيء على أسنّتنا الجزير(٢)
  اليوم الرابع يوم عكاظ
  ثم كان اليوم الرابع من أيامهم، يوم عكاظ، فالتقوا في هذه المواضع على رأس الحول، وقد جمع بعضهم لبعض، واحتشدوا، والرؤساء بحالهم، وحمل عبد اللَّه بن جدعان يومئذ ألف رجل من بني كنانة على ألف بعير. وخشيت قريش أن يجري عليها مثل ما جرى يوم العبلاء، فقيدّ حرب وسفيان(٣) وأبو سفيان بنو أمية(٤) بن عبد شمس أنفسهم، وقالوا: لا نبرح حتى نموت مكاننا، وعلى أبي سفيان يومئذ درعان قد ظاهر بينهما(٥)، وزعم أبو عمرو بن العلاء أنّ أبا سفيان / بن أمية خاصة قيّد نفسه، فسمّي هؤلاء الثلاثة يومئذ: العنابس - وهي الأسود واحدها عنبسة - فاقتتل الناس قتالا شديدا، وثبت الفريقان، حتى همّت بنو بكر بن عبد مناة وسائر بطون كنانة بالهرب، وكانت بنو مخزوم تلي كنانة، فحافظت حفاظا شديدا، وكان أشدّهم يومئذ بنوا المغيرة، فإنهم صبروا، وأبلوا بلاء حسنا، فلما رأت ذلك بنو عبد مناة من كنانة تذامروا(٦) فرجعوا وحمل بلعاء بن قيس وهو يقول:
  /
  إنّ عكاظ مأوانا فخلَّوه ... وذا المجاز بعد أن تحلوه(٧)
  مبارزة يهزم فيها رئيس الأحابيش
  وخرج الحليس بن يزيد(٨): أحد بني الحارث بن عبد مناة بن كنانة - وهو رئيس الأحابيش يومئذ - فدعا إلى المبارزة فبرز إليه الحدثان بن سعد النصري، فطعنه الحدثان، فدق عضده وتحاجزا.
  الدائرة تدور على قيس
  واقتتل القوم قتالا شديدا، وحملت قريش وكنانة على قيس من كل وجه(٩)، فانهزمت قيس كلها إلا بني نصر فإنهم صبروا، ثم هربت بنو نصر وثبت بنو دهمان، فلم يغنوا شيئا، فانهزموا، وكان عليهم سبيع بن أبي ربيعة - أحد بني دهمان، فعقل نفسه ونادى: يا آل هوازن، يا آل هوازن، يا آل نصر! فلم يعرج عليه أحد، وأجفلوا منهزمين، فكرّ بنو أمية خاصة في بني دهمان ومعهم الخنيسق وقشعة الجشميّان، فقاتلوا فلم يغنوا شيئا، فانهزموا.
(١) أرعن. يقال: جيش أرعن: عظيم جرار، العقوة: المكان المنفسح أمام المحلة.
(٢) مارن الخطى: الرماح اللدنة، الجزير: فعيل بمعنى مفعول من الجزر، وفي رواية «الخرير» بالخاء: يعني خرير الدم المنبثق من أثر الطعنة.
(٣) ضبطنا سفيان بضمة واحدة على اعتبار أنه مأخوذ من السفي، فتكون نونه زائدة، ويصح اعتباره مأخوذا عن «السفون» فتكون نونه أصلية، وحينئذ لا يمتنع صرفه.
(٤) بنو أمية: نعت للأعلام الثلاثة السابقة.
(٥) ظاهر بينهما: جعل كلا منهما مقوية للأخرى.
(٦) تذامروا: حض بعضهم بعضا على القتال.
(٧) البيت من المنسرح، وهاء القافية في المصراعين ساكنة، وعكاظ وذو المجاز: مكانان مشهوران في الجاهلية، وبكل منهما كانت تقام سوق للشعر وللتجارة.
(٨) في هد: «الحليس بن زيد».
(٩) ف: «من كل جانب».