أخبار عبيد بن الأبرص ونسبه
  يا قبر بين بيوت آل محرّق ... جادت عليك رواعد وبروق
  أمّا البكاء فقلّ عنك كثيرة ... ولئن بكيت فللبكاء خليق(١)
  ثم ركب المنذر، حتى نظر إليهما، فأمر ببناء الغريّين(٢) عليهما، فبنيا عليهما، وجعل لنفسه يومين في السنة يجلس فيهما عند الغريين، يسمّي أحدهما يوم نعيم، / والآخر يوم بؤس، فأول من يطلع عليه يوم نعيمه يعطيه مائة من الإبل شوما(٣) أي: سودا، وأول من يطلع عليه يوم بؤسه يعطيه رأس ظربان(٤) أسود، ثم يأمر به، فيذبح ويغرّى بدمه الغريّان، فلبث بذلك برهة من دهره.
  يقتل في يوم بؤس المنذر
  ثم إن عبيد بن الأبرص كان أول من أشرف عليه في يوم بؤسه، فقال: هلا كان الذبح لغيرك يا عبيد؟ فقال:
  أتتك بحائن(٥) رجلاه، فأرسلها مثلا، فقال له المنذر: أو أجل بلغ إناه(٦)، فقال له(٧) المنذر: أنشدني، فقد كان شعرك يعجبني، فقال عبيد: حال الجريض(٨) دون القريض، / وبلغ الحزام الطَّبيين(٩). فأرسلها مثلا، فقال له النعمان: أسمعني، فقال: المنايا على الحوايا(١٠)، فأرسلها مثلا، فقال له آخر: ما أشدّ جزعك من الموت، فقال:
  لا يرحل رحلك من ليس معك(١١) فأرسلها مثلا، فقال له المنذر: قد أمللتني، فأرحني قبل أن آمر بك، فقال عبيد:
  من عزّ بزّ(١٢) فأرسلها مثلا، فقال المنذر: أنشدني قولك:
  أقفر من أهله ملحوب
  فقال عبيد:
  صوت
  أقفر من أهله عبيد ... فليس يبدي ولا يعيد(١٣)
(١) فللبكاء خليق: جدير بك، وفي هد، هج و «المختار»: «فبالبكاء» أي فأنت بالبكاء خليق.
(٢) الغريان: بناءان أقامهما المنذر على نديميه اللذين قتلهما، ونرجح أن هذه التسمية إنما جاءت من طلائهما بدماء من يقتل في يوم بؤس المنذر، والتغرية في اللغة بمعنى التطلية.
(٣) شوما: لعله جمع أشيم أو شيماء بمعنى في جسمها شامة، وليس معنى ذلك السواد، كما شرحه المؤلف، وفي هد: هج «سهما» بدل «شوما» وليس من معانيها السواد أيضا.
(٤) الظربان: حيوان دون السنور، أصلم الأذنين، طويل الخطم، قصير القوائم كثير الفسو، منتن الرائحة.
(٥) الحائن: الهالك.
(٦) إناه: وقته.
(٧) يقتضي السياق أن يقول: «ثم قال له المنذر» بدل «فقال له المنذر» التي تكررت مرتين متتاليتين.
(٨) الجريض: الغصة، أو اختلاف الفكين عند الموت.
(٩) الطبيان: تثنية طبي، وهو حلمة الضرع، أو الضرع كله، وهو مثل يضرب للأمر تجاوز حده.
(١٠) الحوايا: ما احتوى عليه بطن الإنسان أو الحيوان، والجملة مثل يضرب لمن يسعى إلى هلاكه بنفسه.
(١١) معنى الجملة أنه لا يقاسي مشقة رحلتك من لم يعانها معك.
(١٢) بز: غلب، ومعنى الجملة: من غلب أخذ السلب.
(١٣) في هد، هج بدل المصراع الثاني:
«فاليوم لا يبدي ولا يعيد»
والرواية التي معنا أصوب، لأن الأبيات من مخلع البسيط، أما المصراع الوارد في هد، هج، فمن الرجز.