كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار عبيد بن الأبرص ونسبه

صفحة 329 - الجزء 22

  يا قبر بين بيوت آل محرّق ... جادت عليك رواعد وبروق

  أمّا البكاء فقلّ عنك كثيرة ... ولئن بكيت فللبكاء خليق⁣(⁣١)

  ثم ركب المنذر، حتى نظر إليهما، فأمر ببناء الغريّين⁣(⁣٢) عليهما، فبنيا عليهما، وجعل لنفسه يومين في السنة يجلس فيهما عند الغريين، يسمّي أحدهما يوم نعيم، / والآخر يوم بؤس، فأول من يطلع عليه يوم نعيمه يعطيه مائة من الإبل شوما⁣(⁣٣) أي: سودا، وأول من يطلع عليه يوم بؤسه يعطيه رأس ظربان⁣(⁣٤) أسود، ثم يأمر به، فيذبح ويغرّى بدمه الغريّان، فلبث بذلك برهة من دهره.

  يقتل في يوم بؤس المنذر

  ثم إن عبيد بن الأبرص كان أول من أشرف عليه في يوم بؤسه، فقال: هلا كان الذبح لغيرك يا عبيد؟ فقال:

  أتتك بحائن⁣(⁣٥) رجلاه، فأرسلها مثلا، فقال له المنذر: أو أجل بلغ إناه⁣(⁣٦)، فقال له⁣(⁣٧) المنذر: أنشدني، فقد كان شعرك يعجبني، فقال عبيد: حال الجريض⁣(⁣٨) دون القريض، / وبلغ الحزام الطَّبيين⁣(⁣٩). فأرسلها مثلا، فقال له النعمان: أسمعني، فقال: المنايا على الحوايا⁣(⁣١٠)، فأرسلها مثلا، فقال له آخر: ما أشدّ جزعك من الموت، فقال:

  لا يرحل رحلك من ليس معك⁣(⁣١١) فأرسلها مثلا، فقال له المنذر: قد أمللتني، فأرحني قبل أن آمر بك، فقال عبيد:

  من عزّ بزّ⁣(⁣١٢) فأرسلها مثلا، فقال المنذر: أنشدني قولك:

  أقفر من أهله ملحوب

  فقال عبيد:

  صوت

  أقفر من أهله عبيد ... فليس يبدي ولا يعيد⁣(⁣١٣)


(١) فللبكاء خليق: جدير بك، وفي هد، هج و «المختار»: «فبالبكاء» أي فأنت بالبكاء خليق.

(٢) الغريان: بناءان أقامهما المنذر على نديميه اللذين قتلهما، ونرجح أن هذه التسمية إنما جاءت من طلائهما بدماء من يقتل في يوم بؤس المنذر، والتغرية في اللغة بمعنى التطلية.

(٣) شوما: لعله جمع أشيم أو شيماء بمعنى في جسمها شامة، وليس معنى ذلك السواد، كما شرحه المؤلف، وفي هد: هج «سهما» بدل «شوما» وليس من معانيها السواد أيضا.

(٤) الظربان: حيوان دون السنور، أصلم الأذنين، طويل الخطم، قصير القوائم كثير الفسو، منتن الرائحة.

(٥) الحائن: الهالك.

(٦) إناه: وقته.

(٧) يقتضي السياق أن يقول: «ثم قال له المنذر» بدل «فقال له المنذر» التي تكررت مرتين متتاليتين.

(٨) الجريض: الغصة، أو اختلاف الفكين عند الموت.

(٩) الطبيان: تثنية طبي، وهو حلمة الضرع، أو الضرع كله، وهو مثل يضرب للأمر تجاوز حده.

(١٠) الحوايا: ما احتوى عليه بطن الإنسان أو الحيوان، والجملة مثل يضرب لمن يسعى إلى هلاكه بنفسه.

(١١) معنى الجملة أنه لا يقاسي مشقة رحلتك من لم يعانها معك.

(١٢) بز: غلب، ومعنى الجملة: من غلب أخذ السلب.

(١٣) في هد، هج بدل المصراع الثاني:

«فاليوم لا يبدي ولا يعيد»

والرواية التي معنا أصوب، لأن الأبيات من مخلع البسيط، أما المصراع الوارد في هد، هج، فمن الرجز.