كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار عبيد بن الأبرص ونسبه

صفحة 330 - الجزء 22

  عنت له عنّة نكود ... وحان منها له ورود

  فقال له المنذر: يا عبيد، ويحك، أنشدني قبل أن أذبحك، فقال عبيد:

  واللَّه إن متّ لما ضرّني ... وإن أعش ما عشت في واحده⁣(⁣١)

  فقال المنذر: إنه لا بد من الموت، ولو أن النعمان عرض لي في يوم بؤس لذبحته، فاختر إن شئت الأكحل⁣(⁣٢)، وإن شئت الأبجل⁣(⁣٣)، وإن شئت الوريد⁣(⁣٤)، فقال عبيد: ثلاث خصال كسحابات عاد واردها شرّ ورّاد، وحاديها شرّ حاد، ومعادها شرّ معاد، ولا خير فيه لمرتاد، وإن كنت لا محالة قاتلي فاسقني الخمر، حتى إذا ماتت مفاصلي، وذهلت لها ذواهلي فشأنك وما تريد، فأمر المنذر بحاجته من الخمر، حتى إذا أخذت منه، وطابت نفسه، دعا به المنذر، ليقتله، فلما مثل بين يديه أنشأ يقول:

  وخيّرني ذو البؤس في يوم بؤسه ... خصالا أرى في كلها الموت قد برق

  كما خيّرت عاد من الدهر مرّة ... سحائب ما فيها لذي خيرة أنق⁣(⁣٥)

  سحائب ريح لم توكَّل ببلدة ... فتتركها إلا كما ليلة الطَّلق⁣(⁣٦)

  / فأمر به المنذر، ففصد، فلما مات غرّي بدمه الغريّان.

  طائي يفد على المنذر في يوم بؤسه

  فلم يزل كذلك حتى مرّ به⁣(⁣٧) رجل من طيء، يقال له: حنظلة بن أبي عفراء، أو ابن أبي عفر، فقال له: أبيت اللعن، واللَّه ما أتيتك زائرا، ولأهلي من خيرك مائرا⁣(⁣٨) فلا تكن ميرتهم قتلي، فقال: لا بد من ذلك فاسأل حاجة أقضينّها لك، فقال: تؤجّلني سنة أرجع فيها إلى أهلي، وأحكم من أمرهم ما أريد، ثم أصير إليك، فأنفذ فيّ حكمك، فقال: ومن يكفل بك حتى تعود؟ فنظر في وجوه جلسائه، فعرف منهم شريك بن عمرو: أبا الحوفزان بن شريك، فأنشد يقول:

  يا شريك يا بن عمرو ... ما من الموت محاله⁣(⁣٩)

  يا شريك يا بن عمرو ... يا أخا من لا أخاله⁣(⁣١٠)


(١) ليس لكلمة «واحدة» هنا معنى، ونرجح أنها «واجدة» - بالجيم - من الجدة واليسار، أي إن عشت فلن أعيش في رغد من العيش.

(٢) الأكحل: وريد في وسط الذراع.

(٣) الأبجل: عرق في الرجل، أو في اليد بإزاء الأكحل.

(٤) الوريد: عرق في العنق.

(٥) الأنق: الحسن الرائع.

(٦) الطلق: البعد، من طلق - بكسر اللام - بمعنى بعد.

(٧) ضمير «به» يعود على المنذر، لا على عبيد.

(٨) مائرا: طالبا الميرة: القوت.

(٩) تنوين «شريك» للضرورة كقول الشاعر:

«سلام اللَّه يا مطر عليها»

(١٠) كان القياس: «لا أخ لك» بدون ألف، ولكنهم قالوا في مثل هذا وفي مثل قولهم: «لا أبا لك» أنهم افترضوا حذف اللام.