أخبار حنين الحيري ونسبه
  رقعة حتى أوصّلها إليه؛ فكتبت رقعة، فما لبث أن خرج التوقيع على ظهرها: ليس الشعبيّ ممن يحتشم منه فأذن له، فأذن لي فقال: ادخل، فدخلت فإذا بشر بن مروان عليه غلالة(١) رقيقة صفراء وملاءة تقوم قياما من شدّة الصّقال، وعلى رأسه إكليل من ريحان، وعلى يمينه عكرمة بن ربعىّ، وعلى يساره خالد(٢) بن عتّاب بن ورقاء، وإذا بين يديه حنين بن بلوع معه عوده، فسلمت فردّ(٣) عليّ السلام ورحّب / وقرّب، ثم قال: يا أبا عمرو، لو كان غيرك لم آذن له على هذه الحال، فقلت: أصلح اللَّه الأمير، عندي لك الستر لكل ما أرى منك والدخول معك فيما لا يجمل، والشكر على ما توليني؛ فقال: كذلك الظنّ بك، ثم التفتّ إلى حنين وعوده في حجره وعليه قباء خشك(٤) شوي - وقال إسحاق: خشكون(٥) - ومستقة(٦) حمراء وخفّان مكعّبان(٧)، فسلم عليّ؛ فقلت له: كيف أنت أبا كعب، فقال: بخير أبا عمرو؛ فقلت: احزق(٨) الزّير(٩) وأرخ البمّ(١٠) ففعل؛ وضرب فأجاد؛ فقال بشر لأصحابه: تلومونني على أن آذن له في كل حال! ثم أقبل عليّ فقال: أبا عمرو، من أين وقع لك حزق الزير(١١)؟
  فقلت: ظننت أن الأمر هناك، فقال: فإن الأمر كما ظننت هناك كلَّه. ثم قال: فمن أين تعرف حنينا؟ فقلت: هذا بطَّة أعراسنا فكيف لا أعرفه! فضحك، وغنّى حنين فأجاد فطرب وأمر له بجائزة، ثم ودّعته وقمت بعد أن ذكرت له ما جئت فيه، فأمر لي بعشرة آلاف درهم وعشرة أثواب، فقمت مع الخادم حتى قبضت ذلك منه وانصرفت. وقد وجدت هذا الخبر بخط أبي سعيد السّكَّريّ / يأثره(١٢) عن محمد بن / عثمان المخزوميّ عن أبيه عن جدّه: أنه كان عند بشر بن مروان يوم دخل عليه الشّعبيّ هذا المدخل وأن حنين بن بلوع غنّاه:
  هم كتموني سيرهم حين أزمعوا(١٣) ... وقالوا اتّعدنا للرّواح وبكَّروا
  وهذا القول خطأ قبيح، لأن هذا الشعر للعبّاس بن الأحنف، والغناء لعلَّويه رمل بالوسطى، وغنّي للمأمون فيه فقال: سخروا من أبي الفضل أعزّه اللَّه.
(١) الغلالة: شعار يلبس تحت الثوب.
(٢) في أ، م، ء، ط: «خالد بن زياد بن ورقاء» والصواب ما أثبتناه (راجع «تاريخ ابن جرير الطبريّ» طبع أوروبا قسم ٢ ص ٩٦١ و ٩٦٤ - ٩٦٨ و ١٠٠٢.
(٣) في ط: «فردّوا».
(٤) كذا في الأصل. ونطقها بالفارسية: «خشك شقي» ومعناها: «القميص الخشن».
(٥) كذا بالأصل وفي الفارسية مركبة من كلمتين: «خوش» بمعنى «زاهي» و «كو» بمعنى: «اللون» أي قباء زاهي اللون، ولعله المعنى المراد لأنه أنسب بالمقام.
(٦) كذا في ح. وفيء، أ، م، ط: «منشفة» وفي باقي النسخ: «منشة» وهما محرّفان. والتصويب عن كتاب «المعرّب» للجواليقيّ قال: «وأصلها بالفارسية مشته فعرّب». والمستقة: فرو طويل الكم، وقيل: هي الجبة الواسعة. وعن أنس أن ملك الروم أهدى إلى رسول اللَّه ÷ مستقة من سندس فلبسها رسول اللَّه ÷ فكأني أنظر إلى يديها يذبذبان فبعث بها إلى جعفر فقال: ابعث بها إلى أخيك النجاشيّ. وأنشد:
إذا لبست مساتقها غنيّ ... فيا ويح المساتق ما لقينا
(٧) مكعبان: موشيان.
(٨) أحزق: أشدد.
(٩) الزير: أرفع أوتار العود، وكانت أربعة في ذلك العهد.
(١٠) البمّ: أغلظ أو تار العود.
(١١) في أ، م: «الوتر».
(١٢) يأثره: يرويه.
(١٣) في أ، م، ء، ط: «ثم فارقوا».