كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار حنين الحيري ونسبه

صفحة 567 - الجزء 2

  شيء من أوصاف الحيرة

  أخبرني الحسين بن يحيى قال قال حمّاد بن إسحاق: قرأت على أبي، وقال أبو عبيد اللَّه الكاتب حدّثني سليمان بن بشر بن عبد الملك بن بشر بن مروان قال:

  وكان بعض ولاة الكوفة يذمّ الحيرة في أيام بني أميّة، فقال له رجل من أهلها - وكان عاقلا ظريفا -: أتعيب بلدة يضرب بها المثل في الجاهليّة والإسلام! قال: وبماذا تمدح؟ قال: بصحّة هوائها، وطيب مائها، ونزهة ظاهرها، تصلح للخفّ والظَّلف، سهل وجبل، وبادية وبستان، وبرّ وبحر، محلّ الملوك ومزارهم⁣(⁣١)، ومسكنهم ومثواهم، وقد قدمتها - أصلحك اللَّه - مخفّا فرجعت مثقلا ووردتها⁣(⁣٢) مقلَّا فأصارتك مكثرا، قال: فكيف نعرف ما وصفتها به من الفضل؟ قال: بأن تصير إليّ⁣(⁣٣)، ثم ادع ما شئت من لذّات العيش، فو اللَّه لا أجوز بك الحيرة فيه؛ قال: فاصنع لنا صنيعا واخرج من قولك؛ قال: أفعل، فصنع لهم طعاما وأطعمهم من خبزها وسمكها وما صيد من وحشها: من ظباء ونعام وأرانب وحبارى⁣(⁣٤)، وسقاهم ماءها / في قلالها، وخمرها في آنيتها، وأجلسهم على رقمها⁣(⁣٥) - وكان يتّخذ بها من الفرش أشياء ظريفة - ولم يستخدم لهم حرّا ولا عبدا إلَّا من مولَّديها ومولَّداتها من خدم ووصائف [ووصفاء]⁣(⁣٦) كأنهم اللؤلؤ، لغتهم لغة أهلها، ثم غنّاهم حنين وأصحابه في شعر عديّ بن زيد شاعرهم وأعشى همدان لم يتجاوزهما، وحيّاهم برياحينها، ونقّلهم⁣(⁣٧) على خمرها، وقد شربوا بفواكهها؛ ثم قال له: هل رأيتني استعنت على شيء مما رأيت وأكلت وشربت وافترشت وشممت وسمعت بغير ما في الحيرة؟ قال: لا واللَّه، لقد أحسنت صفة بلدك ونصرته فأحسنت نصرته والخروج ممّا تضمّنته، فبارك اللَّه لكم في بلدكم.

  المغنون المشهورون بالحيرة غير حنين ونوع غنائهم

  قال إسحاق: ولم يكن بالحيرة مذكور في الغناء سوى حنين إلَّا نفرا من السّدريّين يقال لهم: عباديس، وزيد بن الطَّليس، وزيد بن كعب، ومالك بن حممة، وكانوا يغنّون غناء الحيرة بين الهزج والنّصب⁣(⁣٨) وهو إلى النصب أقرب ولم يدوّن⁣(⁣٩) منه شيء لسقوطه وأنه ليس من أغاني الفحول. وما سمعنا نحن لأحد من هؤلاء خبرا إلا لمالك بن حممة، أخبرني به عمّي عن عبد اللَّه بن أبي سعد.


(١) في ط: «ومرادهم».

(٢) كذا في أغلب النسخ. وفي س، ح: «وزرتها». وفي ب: «ودرتها» وهو تحريف.

(٣) في ط: «إليها».

(٤) الحباري: طائر قال في كتاب «الحيوان»: إنه طويل العنق رماديّ اللون في منقاره بعض طول وهو يقع على الذكر والأنثى واحده وجمعه سواء وإن شئت قلت في الجمع حباريات، وهو ممنوع من الصرف معرفا ومنكرا.

(٥) الرقم: ضرب مخطط من الوشي أو الخز.

(٦) زيادة في ط والوصائف: جمع وصيفة وهي الجارية البالغة حد الخدمة، والوصفاء: جمع وصيف وهو الغلام البالغ حدّ الخدمة أيضا. وقد يقال الوصيف للخادم غلاما كان أو جارية.

(٧) نقلهم: أطعمهم النقل، والنقل: ما يتنقل به على الشراب من فستق وتفاح ونحوهما.

(٨) النصب: غناء يشبه الحداء إلا أنه أرق.

(٩) كذا في ط. وفي باقي الأصول: «يذروا منه شيئا» وهو تحريف.