كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار الحارث بن وعلة

صفحة 420 - الجزء 22

  ثم لم يصبر عبد الملك على أن يدع جوابه بشعر فقال: وعلى أن مثلي ومثله ما قال الآخر:

  أناة وحلما وانتظارا بكم غدا ... فما أنا بالواني ولا الضرع الغمر

  أظنّ صروف الدهر والجهل منهم ... ستحملهم⁣(⁣١) منّي على مركب وعر

  فليت شعري أسما عدوّ الرحمن لدعائم دين اللَّه يهدّمها؟ أم رام الخلافة أن ينالها؟ وأوشك أن يوهن اللَّه شوكته، فاستعن باللَّه، واعلم أن اللَّه مع الذين اتّقوا والذين هم محسنون.

  قال مؤلف هذا الكتاب: الشعر الذي تمثل به عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث لوعلة الجرمي، والشعر الذي نمثل به عبد الملك لابنه الحارث بن وعلة.

  يخذله قومه وينصره آخرون

  أخبرني محمد بن جعفر النحوي قال: حدثني طلحة بن عبد اللَّه الطَّلحيّ، عن أحمد بن إبراهيم، عن أبي عبيدة قال:

  / قتلت نهد أخا وعلة الجرميّ، فاستعان بقومه، فلم يعينوه، فاستعان بحلفاء [من]⁣(⁣٢) بني نمير، وكانوا له حلفاء وإخوانا، فأعانوه حتى أدرك بثأره فقال في ذلك:

  سائل مجاور جرم هل جنيت لها ... حربا تزّيل بين الجيرة الخلط⁣(⁣٣)

  أم هل علوت بجرّار له لجب ... يغشى المخارم⁣(⁣٤) بين السهل والفرط⁣(⁣٥)

  حتى تركت نساء الحي ضاحية⁣(⁣٦) ... في ساحة الدار يستوقدن بالغبط⁣(⁣٧)

  يفر من قيس ابن عاصم عند غزوه لليمن

  أخبرني هاشم بن محمد الخزاعيّ، قال: حدثنا الرياشيّ قال:

  خرج رجل من بني تميم - يقال إنه قيس بن عاصم قال الرياشي: وحقق أبو عبيدة أنه قيس - يوم الكلاب يلتمس أن يصيب رجلا من ملوك اليمن له فداء، فبينا هو في ذلك إذ أدرك وعلة الجرميّ، وعليه مقطعات له فقال له: على يمينك، قال: على يساري أقصد لي، قال: هيهات منك اليمن، قال: العراق مني أبعد، قال: إنك لن ترى أهلك العام، قال: ولا أهلك تراهم⁣(⁣٨)، وجعل وعلة يركض فرسه، فإذا ظن أنها قد أعيت وثب عنها، فعدا معها،


(١) في هد: «ستحملكم».

(٢) زيادة يقتضيها المقام.

(٣) الخلط: خليط، هم القوم الذين أمرهم واحد، وفي هج: «تفرق» بدل «تزيل».

(٤) المحارم: جمع مخرم وهو أفواه الفجاج.

(٥) الفرط: الجبال الصغيرة، وتجمع على أفراط.

(٦) ضاحية: بارزة.

(٧) يريد قتلت رجالهن فبقيت الرجال وليس لها ما يرحل عليها، أو أنه ذهب بأبلهم فغنوا عن أقنابها فالنساء يستوقدن بها، أو أن الخوف يمنعهن من الاحتطاب فهن يستوقدن بالأقتاب وما جانسها ويشابهها.

(٨) كذا في ف، وفي س، ب: «أراهم».