كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار عبد الله بن العجلان

صفحة 434 - الجزء 22

  تأوّه مما مسّها من كريهة ... وتصفى الخدود والرماح تصورها⁣(⁣١)

  وأربابها صرعى ببرقة أخرب ... تجرّرهم صبعانها ونسورها

  فأبلغ أبا الحجاج عني رسالة ... مغلغلة لا يغلبنك بسورها

  فأنت منعت السلم يوم لقيتنا ... بكفيّك تسدي غيّة وتنيرها

  فذوقوا على ما كان من فرط إحنة ... حلائبنا إذ غاب عنا نصيرها

  نهاية حبه

  قال أبو عمرو: فلما اشتدّ ما بعبد اللَّه بن العجلان من السقم خرج سرّا من أبيه مخاطرا بنفسه حتى أتى أرض بني عامر لا يرهب ما بينهم من الشرّ والتّرات، حتى نزل ببني نمير، وقصد خباء هند، فلما قارب دارها رآها وهي جالسة على الحوض، وزوجها يسقي، ويذود الإبل عن مائه، فلما نظر إليها ونظرت إليه رمى بنفسه عن بعيره، وأقبل يشتدّ إليها، وأقبلت تشتد إليه، فاعتنق كل واحد منهما صاحبه، وجعلا يبكيان وينشجان ويشهقان، حتى سقطا على / وجوههما، وأقبل زوج هند ينظر ما حالهما، فوجدهما ميتين.

  قال أبو عمرو: وأخبرني بعض بني نهد أنّ عبد اللَّه بن العجلان أراد المضيّ إلى بلادهم، فمنعه أبوه وخوّفه الثارات وقال: نجتمع معهم في الشهر الحرام بعكاظ أو بمكة، ولم يزل يدافعه بذلك حتى جاء الوقت، فحج، وحج أبوه معه، فنظر إلى زوج هند وهو يطوف بالبيت وأثر كفّها في ثوبه بخلوق، فرجع إلى أبيه في منزله، وأخبره بما رأى ثم سقط على وجهه فمات. هذه رواية أبي عمرو.

  / وقد أخبرني محمد بن خلف وكيع، قال حدثني عبد اللَّه بن عليّ بن الحسن قال: حدثنا نصر بن عليّ عن الأصمعيّ عن عبد العزيز بن أبي سلمة عن أيوب عن ابن سيرين قال:

  خرج عبد اللَّه بن العجلان في الجاهلية فقال:

  ألا إنّ هندا أصبحت منك محرما ... وأصبحت من أدنى حموّتها حما

  وأصبحت كالمقمور جفن سلاحه ... يقلَّب بالكفين قوسا وأسهما

  ثم مد بها صوته فمات.

  الشعر له أم لمسافر

  قال ابن سيرين: فما سمعت أن أحدا مات عشقا غير هذا. وهذا الخبر عندي خطأ لأن أكثر الرواة يروي هذين البيتين لمسافر بن أبي عمرو بن أمية، قالهما لما خرج إلى النعمان بن المنذر يستعينه في مهر هند بنت عتبة بن ربيعة، فقدم أبو سفيان بن حرب، فسأله عن أخبار مكة، وهل حدث بعده شيء، فقال: لا، إلَّا أنّي تزوجت هندا بنت عتبة، فمات مسافر أسفا عليها، ويدل على صحّة ذلك قوله:

  وأصبحت من أدنى حموّتها حما


(١) تصورها: تميلها.