أخبار مالك بن الريب ونسبه
  حيث الدّجى متطلَّعا لغفوله ... كالذئب في غلس الظلام الخاتل
  فوجدته ثبت الجنان مشيّعا(١) ... ركَّاب منسج كلّ أمر هائل
  فقراك أبيض كالعقيقة(٢) صارما ... ذا رونق يعني(٣) الضريبة فاصل
  فركبت ردعك(٤) بين ثني فائز(٥) ... يعلو به أثر الدماء وشائل
  رجل حرب لا سائس إبل
  قال: وانطلق مالك بن الريب مع سعيد بن عثمان إلى خراسان، حتى إذا كانوا في بعض مسيرهم احتاجو إلى لبن، فطلبوا صاحب إبلهم، فلم يجدوه، فقال مالك لغلام من غلمان سعيد: أدن مني فلانة - لناقة كانت لسعيد عزيزة - فأدناها منه، فمسحها وأبسّ(٦) بها حتى درّت، ثم حلبها، فإذا أحسن حلب حلبه الناس وأغزره درّة، فانطلق الغلام إلى سعيد، فأخبره، فقال سعيد لمالك: هل لك أن تقوم بأمر إبلي، فتكون فيها، وأجزل لك الرزق إلى ما أرزقك، وأضع عنك الغزو؟ فقال مالك في ذلك:
  أني لأستحيي الفوارس أن أرى ... بأرض العدا بوّ المخاض الروائم(٧)
  / وإني لأستحيي إذا الحرب شمّرت ... أن ارخي(٨) دون الحرب ثوب المسالم
  وما أنا بالنائي الحفيظة في الوغى ... ولا المتقى(٩) في السلم جرّ الجرائم
  ولا المتأني في العواقب للذي ... أهمّ به من فاتكأت العزائم
  ولكنني مستوحد العزم مقدم ... على غمرات الحادث المتفاقم(١٠)
  قليل اختلاف الرأي في الحرب باسل ... جميع الفؤاد عند حلّ العظائم
  فلما سمع ذلك منه سعيد بن عثمان، علم أنه ليس بصاحب إبل، وأنه صاحب حرب، فانطلق به معه.
  مالك والذئب
  قالوا: وبينما مالك بن الريب ليلة نائم في بعض مفازاته إذ بيّته ذئب، فزجره فلم يزدجر، فأعاد، فلم يبرح، فوثب إليه بالسيف، فضربه، فقتله، وقال مالك في ذلك:
(١) مشيعا: شجاعا.
(٢) العقيقة: البرقة المستطيلة في عرض السحاب يكثر استعارتها للسيف.
(٣) يعني: يقصد ويصيب وفي «مهذب الأغاني»: «يغشي».
(٤) الردع في الأصل: الزعفران، ويقال للقتيل: ركب ردعه إذا خر لوجهه على دمه.
(٥) المراد به السيف وثنيه انثناءه وربما كان المراد بين دم «فائر» وآخر سائل، ويكون قوله «فائز» تصحيف فائر بدليل قوله يعلو به أثر الدماء، فهذا لا يكون إلا في الفوارن.
(٦) أبس: مسح ضرعها.
(٧) الروائم: جمع رائم أو رائمة: عطوف على ولدها.
(٨) في س، ب «أرفض» وهو تحريف.
(٩) في س، ب: «الملقى».
(١٠) في هج: «على الحادث المستعظم المتفاهم».