كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار العديل ونسبه

صفحة 500 - الجزء 22

  فجدّ الحجاج في طلبه حتى ضاقت عليه الأرض، فأتى واسطا، وتنكَّر، وأخذ رقعة بيده، ودخل ءلى الحجّاج في أصحاب المظالم، فلما وقف بين يديه أنشأ يقول:

  هأنذا ضاقت بي الأرض كلَّها ... إليك وقد جوّلت كلّ مكان

  فلو كنت في ثهلان⁣(⁣١) أو شعبتي أجا ... لخلتك إلا أن تصدّ تراني

  فقال له الحجاج: العديل أنت؟ قال: نعم، أيها الأمير، فلوى قضيب خيزران كان في يده في عنقه، وجعل يقول: إيه

  بساط لأيدي الناعجات عريض

  فقال: لا بساط إلَّا عفوك، قال: اذهب حيث شئت:

  حوشب بن يزيد وعكرمة بن ربعي يتنازعان الشرف

  أخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال: حدثنا أحمد بن الهيثم بن فراس قال: حدثنا العمريّ، عن الهيثم بن عديّ، عن ابن عياش قال:

  كان حوشب⁣(⁣٢) بن يزيد بن الحويرث بن رويم الشيبانيّ وعكرمة بن ربعيّ البكريّ، يتنازعان الشرف، ويتباريان في إطعام الطعام ونحر الجزر في عسكر مصعب، / وكاد حوشب يغلب عكرمة لسعة يده. قال: وقدم عبد العزيز بن يسار مولى بجير - قال؛ وهو زوج أم شعبة الفقيه - بسفائن دقيق، فأتاه عكرمة فقال له؛ اللَّه اللَّه فيّ، قد كاد حوشب أن يستعليني، ويغلبني بماله، فبعني هذا الدقيق بتأخير، ولك فيه مثل ثمنه ربحا، فقال: خذه، وأعطاه إياه فدفعه إلى قومه، وفرّقه بينهم، وأمرهم بعجنه كلَّه، فعجنوه كلَّه، ثم جاء بالعجين كلَّه، فجمعه في هوّة عظيمة، وأمر به، فغطَّي بالحشيش، وجار برمكة⁣(⁣٣)، فقرّبوها إلى فرس حوشب، حتى طلبها، وأفلت، ثم ركضوها بين يديه وهو يتبعها، حتى ألقوها في ذلك العجين وتبعها الفرس، حتى تورّطا في العجين وبقيا فيه جميعا، وخرج قوم عكرمة؛ يصيحون في العسكر: يا معشر المسلمين أدركوا فرس حوشب، / فقد غرق في خميرة عكرمة فخرج الناس تعجّبا من ذلك أن تكون خميرة يغرق فيها فرس، فلم يبق في العسكر أحد إلا ركب ينظر، وجاؤا إلى الفرس - وهو غريق في العجين ما يبين منه إلا رأسه وعنقه - فما أخرج إلا بالعمد والحبال، وغلب عليه عكرمة، وافتضح حوشب، فقال العديل بن الفرخ يمدحهما، ويفخر بهما:

  وعكرمة الفيّاض فينا وحوشب ... هما فتيا الناس اللَّذا لم يغمّرا

  هما فتيا الناس اللذا لم ينلهما ... رئيس ولا الأقيال من آل حميرا

  قال: وفي حوشب يقول الشاعر:

  وأجود بالمال من حاتم ... وأنحر للجزر⁣(⁣٤) من حوشب


(١) ثهلان: جبل لنمير.

(٢) في جمهرة الأنساب: «هو حوشب بن ريط بن الحارث بن يزيد بن رويم».

(٣) الرمكه: الفرس والبرذونة تتخذ للنسل.

(٤) في ف: البزل جمع بازل: البعير القوى في تاسع سنيه.