ذكر الغريض وأخباره
  قيل كان الغريض أشجى غناء من ابن سريج
  قال إسحاق: وسمعت جماعة من البصراء عند أبي يتذاكرونهما، فأجمعوا على أن الغريض أشجى غناء، وأنّ ابن سريج أحكم صنعة.
  غنّى الناس بجمع فحسبوه من الجنّ
  قال إسحاق وحدّثني أبو عبد اللَّه الزّبيريّ قال حدّثني بعض أهلي قال: حججنا فلمّا كنّا بجمع(١) سمعنا صوتا لم نسمع أحسن منه ولا أشجى، فأصغى الناس كلَّهم إليه تعجّبا من حسنه، فسألت: من هذا الرجل؟ فقيل لي:
  الغريض، فتتابع جماعة من أهل مكَّة فقالوا: ما نعرف اليوم أحسن غناء من الغريض، ويدلَّك على ذلك أنه يعترض بصوته الحاجّ وهم في حجّهم فيصغون إليه. فسألوا الغريض عن ذلك، فقال: نعم، فسألوه أن يغنّيهم فأجابهم، وخرج فوقف حيث لا يرى ويسمع صوته فترنّم ورجّع صوته وغنّى في شعر عمر بن أبي ربيعة:
  أيّها الرائح المجدّ ابتكارا ... قد قضى من تهامة الأوطارا
  فما سمع السامعون شيئا كان أحسن من ذلك الصوت، وتكلَّم الناس فقالوا: طائفة من الجنّ حجّاج.
  نسبة هذا الصوت
  صوت
  أيّها الرائح المجدّ ابتكارا ... قد قضى من تهامة الأوطارا(٢)
  من يكن قلبه الغداة خليّا ... ففؤادي بالخيف أمسى معارا(٣)
  ليت ذا الحجّ كان حتما علينا ... كلّ شهرين حجّة(٤) واعتمارا
  / عروضه من الخفيف. الشعر لعمر بن أبي ربيعة. والغناء لابن محرز، ولحنه من القدر الأوسط من الثقيل الثاني بالخنصر في مجرى الوسطى. وفيه لحن للغريض من رواية حمّاد عن أبيه.
  غنى هو ومعبد وابن سريج على أبي قبيس فعفا الوالي عنهم بعد الأمر بنفيهم
  أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ وإسماعيل بن يونس قالا حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني إسحاق بن إبراهيم قال:
  بلغني أن معبدا وابن سريج والغريض اجتمعوا بمكَّة ذات ليلة فقالوا: هلمّ نبك أهل مكَّة، ووجدت هذا الخبر بغير إسناد مرويّا عن يونس الكاتب: أنّ أميرا من أمراء مكَّة أمر بإخراج المغنّين من الحرم، فلمّا كان في الليلة التي عزم بهم على النّفي في غدها اجتمعوا على أبي قبيس - وكان معبد قد زارهم - فبدأ معبد فغنّى - كذا روي عن يونس ولم يذكره الباقون:
(١) جمع: المزدلفة وهو مبيت الحاج ومجمع الصلاة إذا صدروا من عرفات، وهو المشعر الحرام.
(٢) تقدمت هذه الأبيات مع شرحها في الجزء الأول من «الأغاني» طبع دار الكتب ص ١٦٧.
(٣) في ب، س، ح. «مطارا».
(٤) الحجة (بالكسر): المرة من الحج وهو شاذ لأن قياس المرة على فعله بفتح الفاء.