كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار العطوي

صفحة 96 - الجزء 23

  يستقي علويا نبيذا:

  أخبرني عمي: قال: حدّثني كوثرة أخو العطوي قال:

  كان أخي أبو عبد الرحمن يشرب مع أصدقاء له من الكتّاب، ومعهم قينة يقال لها: مصباح، من أحسن الناس وجها، وأطيبهم غناء، فما زالوا في قصف وعزف إلى أن انقطع نبيذهم؛ فبقوا حيارى، وكانوا قريبا من منزل أبي العباس أحمد بن الحسين / بن موسى بن جعفر بن محمد العلويّ، وكان صديقا لأبي عبد الرحمن فكتب إليه:

  يا بن من طاب في المواليد مذ آ ... دم جرّا إلى الحسين أبيه⁣(⁣١)

  أنا بالقرب منك عند كريم ... قد ألحّت عليه شهب سنيه⁣(⁣٢)

  عنده قينة إذا ما تغنّت ... عاد منّا⁣(⁣٣) الفقيه غير فقيه

  تزدهيني وأين مثلي في الف ... هم تغنّيه ثم لا تزدهيه؟

  مجلس كالرياض حسنا ولكن ... ليس قطب السرور واللهو فيه⁣(⁣٤)

  [فأقمه بما به يمتري دن ع ... جوز خمارة ممتريه⁣(⁣٥)]

  / وبأشياخك الكرام إلى السّو ... دد موسى بن جعفر وأبيه

  إن تحشّمتني وإن كان إلَّا ... مثل ما يأنس الفتى بأخيه⁣(⁣٦)

  قال: فلما وصلت الرقعة إلى أبي العباس أرسل إليهم براوية شراب، فلم يزالوا يشربون مجتمعين، حتى نفدت في أخفض عيش.

  يأكل الحاضر ويسمع عقد:

  حدّثني أبو يعقوب إسحاق بن الضحّاك بن الخصيب الكاتب: قال:

  جاءني يوما أبو عبد الرحمن العطوي بعد وفاة عمي أحمد بن الخصيب بسنتين، وكان صديقه وصنيعته، فجلس عندي يحادثني حديثه، ويبكي ساعة طويلة، ثم تغيمت السماء وهطلت، فسألته أن يقيم عندي، فحلف ألا يفعل إلا بعد أن أحضره من وقتي ما راج من الطعام، ولا أتكلَّف له شيئا، ففعلت وجئته بما حضر، فقال لي: ما فعلت عقد؟ قلت: باقية، وهي في يومنا هذا مقيمة عندي، والساعة تسمع غناءها، فقال لي: عجّل إذن فإنّ النهار قصير، ثم أنشأ يقول:

  أدر الكأس قد تعالى النّهار ... ما يميت الهموم إلا العقار


(١) في هج: «طرا» بدل «جرا».

(٢) سنة شهباء: جدبة.

(٣) في ف: «منها».

(٤) في هج: «وطب» بدل «قطب».

(٥) تكملة من هد، هج.

(٦) في ف: «وإن كنت» بدل «وإن كان» وفي بعض النسخ: «تجشمتني» بدل «تحشمتني».