أخبار العطوي
  صاح هذا الشتاء فاغد عليها ... إنّ أيامه لذاذ قصار
  أيّ شيء ألذ من يوم دجن ... فيه كأس على النّدامى تدار
  وقيان كأنهنّ ظباء ... فإذا قلن قالت الأوتار
  أحسن يوم وأطيبه:
  حدّثني عمي: قال: حدّثني كوثرة: قال:
  كان لأبي عبد الرحمن صديق من الأدباء، وكان يتعشّق جارية من جواري القيان يقال لها: عثعث، وكان لا يقدر عليها إلا على لقاء عسير، واجتماع يسير، فأرسل إليها / يوما، فأحضرها(١) وأصلح جميع ما يحتاج إليه، واتفق أن كان ذلك في(١) يوم رذاذ به من الطَّيب والحسن ما اللَّه به عليم، فكتب إلى صديقه يعرفه الخبر، ويسأله المصير إليه ووصف له القصة بشعر، فقال:
  يوم مطير وعيش نضير ... وكأس تدور وقدر تفور
  وعثعث تأتي إذا جئتنا ... فتسمع منها غناء يصور(٢)
  وعندي وعندك ما تشت ... هيه شعر يمرّ وعلم يدور
  وإذ كان هذا كما قد وصفت ... فإن التفرّق خطب كبير
  فقم نصطبح قبل فوت الزّمان ... فإنّ زمان التلهّي قصير
  قال: فسار إليه صاحبه فمرّ لهما أحسن يوم وأطيبه.
  نثرا استحال شعرا:
  وهذا الشعر أخذه العطويّ من كلام إسحاق، أخبرني به وسواسة بن الموصلي عن حماد عن أبيه: قال: كان يألفني بعض / الأعراب وكان طيبا، فجاءني يوما، فقلت له: لم أرك أمس، فقال: دعاني صديق لي، فقلت: صف لي ما كنتم فيه، فقال لي: كنا في مجلس نظامه سرور بين قدور تفور، وكأس تدور، وغناء يصور، وحديث لا يحور(٣) وندامى كأنهم البدور.
  قال إسحاق: وقلت لأعرابي: كان يألفني: أين كنت بالأمس؟ قال: كنت عند بعض ملوك سرّ من رأى، فأدخلني إلى قبة كإيوان كسرى، وأطعمني في قصاع تترى، وغنتني جارية سكرى، تلعب بالمضراب كأنه مدري، فيا ليتني لقيتها مرة أخرى.
  / قال إسحاق: وقلت لبعض الأعراب: طلبتك أمس فلم أجدك فأين كنت؟ قال: كنت عند صديق لي، فأطعمني بنات التّنانير، وأطعمني أمّهات الأبازير(٤) وحلواء الطَّناجير(٥)، وسقاني زعاف القوارير، وأسمعني غناء
(١ - ١) تكملة من هج، وهد.
(٢) يصور: يميل.
(٣) لا يجور: لا يظلم. في م، أ: «لا يجور»: أي لا يضعف.
(٤) الأبازير: جمع أبزار وهو التابل.
(٥) الطناجير: جمع طنجير بالكسر فارسي معرب إناء الطبخ وعربية: القدور.