كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار علي بن أمية

صفحة 104 - الجزء 23

  أية ريح يعني:

  حدّثني الحسن بن علي عن محمد بن القاسم عن أبي هفّان: قال:

  كنا في مجلس، وعندنا قينة تغنينا، وصاحب البيت يهواها، فجعلت تكايده، وتومئ إلى غيره بالمزح والتّجميش⁣(⁣١)، وتغيظه بجهدها، وهو يكاد يموت قلفا وهمّا وتنغّص عليه يومه، ولجّت في أمرها، ثم سقط المضراب عن يدها، فأكبّت على / الأرض لتأخذه، فضرطت ضرطة سمعها جميع من حضر، وخجلت، فلم تدر ما تقول فأقبلت على عشيقها فقالت: أيش تشتهي أن أغني لك؟ فقال: غنّي⁣(⁣٢):

  يا ريح ما تصنعين بالدّمن

  فخجلت وضحك القوم وصاحب الدار، حتى أفرطوا، فبكت وقامت من المجلس، وقالت: أنتم واللَّه قوم سفل، ولعنة اللَّه على من يعاشركم، وغضبت وخرجت، وكان - علم اللَّه - سبب القطيعة بينهما وسلو ذلك الرجل عنها:

  من الرسول؟

  أخبرني ابن عمّار وعمي والحسن بن علي، قالوا: حدّثنا عبد اللَّه بن أبي سعد، قال: حدّثنا الحسين بن الضحاك: قال:

  كنت في مجلس قد دعينا إليه، ومعنا علي بن أمية، فعلقت نفسه بقينة / دعيت لنا يومئذ، فأقبل عليها فقال لها: أتغنّين قوله:

  خبريني من الرسول إليك؟ ... واجعليه من لا ينمّ عليك

  وأشيري إليّ من هو بالل ... حظ ليخفى على الذين لديك

  فقالت: نعم، وغنته لوقتها وزادت فيه هذا البيت، فقالت:

  وأفلَّي المزاح في المجلس اليو ... م فإن المزاح بين يديك⁣(⁣٣)

  ففطن لما أرادت وسرّ بذلك، ثم أقبلت على خادم واقف فقالت له: يا مسرور، اسقني، فسقاها، وفطن بن أمية أنها أرادت أن تعلمه أن مسرورا هو الرسول، فخاطبه، فوجده كما يريد، وما زال ذلك الخادم يتردّد في الرسائل بينهما.


(١) التجميش: المغازلة والملاعبة.

(٢) ب، غن، وهو خطأ.

(٣) في هج: «وأقل المزاح في ذلك المجلس».