أخبار عمر الميداني
١٢ - أخبار عمر الميداني
  متقدم في الصنعة والأداء:
  هو رجل من أهل بغداد كان ينزل الميدان(١) فعرف به، وكان لا يفارق محمدا وعليّا ابني أمية وأبا حشيشة، ينادمهم ويغنّي في أشعارهم، وكان منزله قريبا منهم، وهو أحد المحسنين المتقدمين في الصنعة والأداء.
  حدّثني جحظة: قال:
  وسمعت ابن دقاق(٢) في منزل أبي العبيس بن حمدون يقول: سمعت أبا حشيشة والمسدود، ومن قبلهما من الطَّنبوريين، فما سمعت منهم أصحّ غناء ولا أكثر تصرفا من عمر الميداني.
  مائدة إسحاق وجائزته:
  حدّثني جحظة: قال: حدّثني علي بن أمية: قال:
  دخلت يوما على عمر الميداني، وكان له بقّال على باب داره ينادمه ولا يفارقه، ويقارضه(٣) إذا أعسر، ويتصرّف في حوائجه، فإذا حصلت له دراهم دفعها إليه يقبض منها ما رأى، لا يسأله عن شيء، فوجدت عنده يومئذ هذا البقال، فقال لنا عمر: معي أربعة دراهم تعطوني منها لعلف حماري درهما، والثلاثة لكم، فكلوا بها ما أحببتم. وعندي نبيذ، وأنا أغنّيكم، والبقال يحضرنا من الأبقال اليابسة ما في حانوته. فوجّهنا بالبقال. فاشترى لنا بدرهم(٤) لحما. وبدرهم خبزا. وبدرهم فاكهة وريحانا. وجاءنا من حانوته بحوائج السّكباج(٥) ونقل. فبينا نحن نتوقع الفراغ من القدر إذا بفرانق(٦) / يدقّ الباب. فأدخله عمر: فقال له: أجب الأمير إسحاق بن إبراهيم. فحلف علينا عمر بالطلاق ألَّا نبرح، ومضى هو؛ وأكلنا السّكباج وشربنا وانصرف(٧) عشاء. وبكر إليّ رسوله في السّحر أن صر إليّ، فصرت إليه، فقلت: أعطني خبرك من النّعل إلى النّعل(٨). قال: دخلت فوضعت بين يديّ مائدة كأنها جزعة(٩) يمانية قد قرشت في عراصها(١٠) الحبر فأكلت وسقبت رطلين، ودفع إليّ طنبور. فدخلت إلى إسحاق،
(١) الميدان: محلة ببغداد من ناحية باب الأزج.
(٢) في س، ب: «الدقاق».
(٣) في ف وهج: «يقرضه».
(٤ - ٤) زيادة عن ف.
(٥) السكباج: لحم يطبخ بخل، معرب.
(٦) الفرانق: الرسول.
(٧) في هج: «وانصرفنا».
(٨) من لبس النعل إلى خلعه: كناية عن المبدأ إلى النهاية.
(٩) جزعة يمانية: كناية عن حارتها ورشيها، والجزع اليماني من الأحجار القيمة الثمينة إلى الآن.
(١٠) هج: «في عراضها الحبر».