أخبار ماني الموسوس
  فتنفّست ثم قلت لطيفي: ... ويك إن زرت طيفها إلماما
  حيّها بالسلام سرّا وإلَّا ... منعوها لشقوتي أن تناما
  فقال محمد: أحسنت يا ماني، ثم غنّت:
  يا خليليّ ساعة لا تريما ... وعلى ذي صبابة فأقيما
  ما مررنا بقصر زينب إلا ... فضح الدمع سرّك المكتوما
  قال ماني: لولا رهبة الأمير لأضفت إلى هذين البيتين بيتين لا يردان على سمع سامع ذي لبّ فيصدران إلا عن استحسان لهما، فقال محمد: الرغبة في حسن ما تأتي به حائلة عن كلّ رهبة، فهات ما عندك، فقال:
  ظبية كالهلال لو تلحظ الصخر بطرف لغادرته هشيما وإذا ما تبسّمت خلت ما يبدو من الثّغر لؤلؤا منظوما
  مختار الشعر يكسبه طبيا:
  فقال محمد: إن أحسن الشعر ما دام الإنسان يشرب ما كان مكسوّا لحنا حسنا تغنّي به منوسة وأشباهها، فإن كسيت(١) شعرك من الألحان مثل ما غنّت قبله طاب، فقال: ذلك إليها.
  يصف منوسة:
  فقال له ابن طالوت: يا أبا الحسين(٢)، كيف هي عندك في حسنها وجمالها وغنائها / وأدبها؟ قال. هي غاية ينتهي إليها الوصف، ثم يقف، قال: قل في ذلك شعرا، فقال:
  وكيف صبر النفس عن غادة ... تظلمها إن قلت طاووسه
  وجرت إن شبّهتها بانة ... في جنّة الفردوس مغروسه
  وغير عدل إن عدلنا بها ... لؤلؤة في البحر منفوسه(٣)
  جلَّت عن الوصف فما فكرة ... تلحقها بالنعت محسوسه
  فقال له ابن طالوت: وجب شكرك يا ماني، فساعدك دهرك، وعطف عليك إلفك، ونلت سرورك، وفارقت محذورك، واللَّه يديم لنا ولك بقاء من ببقائه اجتمع شملنا، وطاب يومنا.
  إذا زرت فخفف:
  فقال ماني:
  مدمن التخفيف موصول ... ومطيل اللَّبث مملول
(١) لعلها تحريف فإن «أكسبت» شعرك ... إلخ.
(٢) في ف: «الحسن».
(٣) منفوسة: يتنافس ويرغب فيها.