كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار مروان بن أبي حفصة الأصغر

صفحة 152 - الجزء 23

  قال: ولم يغنّه البيت الثالث، وهو:

  لعبت بنا أيدي الخطو ... ب وغالنا ريب الزمان

  كراهة أن يتطيّر منه، فجعل ينظر إليّ وأنا واقف، ثم قال لي: ويلك يا خالد، تهرب منا ونحن نطلبك، وأنت في غيابات صبواتك وغزلك. يا غلام اسقه ثلاثة أقداح / في القدح المبرم - وهو الذي لا قرار له، فإذا أخذه الإنسان لم يقدر أن يضعه من يده - فقلت:

  سيدي لا تسقني ... أكثر من رطل نبيذ

  إنّ شربي للَّذي ... يؤلمني غير لذيذ

  فقال: يا غلام، إن لم يشرب فاصفعه، فقلت:

  سيدي حوصلتي ضيّ ... قة عن شرب رطل

  فمتى زدت عليه ... خفت أن يذهب عقلي

  فقال الفتح: هو كما قال يا سيّدي لا يطيق الشرب.

  وحضر ابن أبي حفصة، فقال لنا المتوكل: قولا على البديهة، فقلت له:

  هو يا سيدي شيخ الشعراء ومادحك، وآباؤه مدّاح آبائك، فأنشأ يقول:

  يا ليت [لي] ألف عين ... عيناي لا تكفيان

  فقلت له: سخنت عينك، أنا لي عين واحدة أدعو اللَّه عليها بالعمى منذ ستين سنة، أقول:

  يا عين أنت بليتني ... فأراحني الرحمن منك

  وأنت تتمنى ألف عين. ثم قال لي المتوكل: اهجه، فقلت: إن الرجل لم يعرض لي، فأقبل هو عليّ وقال:

  قل ما شئت، وما عسى أن تقول؟ فقلت:

  زاد البرد يومين ... فقال الناس: ما القصّه!

  فقلنا: أنشدونا شع ... ر مروان بن أبي حفصة

  / فتى من شهوة النّيك ... بحلقوم استه غصّه

  ولو يرمى ببطَّيخ ... لوافى دبره رصّه

  قال: فضحك المتوكل حتى صفق⁣(⁣١) برجليه الأرض، وأفحم مروان، ثم أمر لي بجائزة فأخذتها وانصرفت.

  يستدعيه المتوكل من اليمامة ويثيبه بعد أن مدحه:

  قال ابن أبي طاهر: حدّثني مروان بن أبي الجنوب قال: لما استخلف المتوكل بعثت إلى ابن أبي دواد بقصيدة مدحته فيها وذكرت فيها ابن الزيات ببيتين وهما:

  وقيل لي: الزيات لاقي حمامه ... فقلت: أتاني اللَّه بالفتح والنصر


(١) «المختار»: «حتى فحص برجليه الأرض».