أخبار مروان بن أبي حفصة الأصغر
  قال: ولم يغنّه البيت الثالث، وهو:
  لعبت بنا أيدي الخطو ... ب وغالنا ريب الزمان
  كراهة أن يتطيّر منه، فجعل ينظر إليّ وأنا واقف، ثم قال لي: ويلك يا خالد، تهرب منا ونحن نطلبك، وأنت في غيابات صبواتك وغزلك. يا غلام اسقه ثلاثة أقداح / في القدح المبرم - وهو الذي لا قرار له، فإذا أخذه الإنسان لم يقدر أن يضعه من يده - فقلت:
  سيدي لا تسقني ... أكثر من رطل نبيذ
  إنّ شربي للَّذي ... يؤلمني غير لذيذ
  فقال: يا غلام، إن لم يشرب فاصفعه، فقلت:
  سيدي حوصلتي ضيّ ... قة عن شرب رطل
  فمتى زدت عليه ... خفت أن يذهب عقلي
  فقال الفتح: هو كما قال يا سيّدي لا يطيق الشرب.
  وحضر ابن أبي حفصة، فقال لنا المتوكل: قولا على البديهة، فقلت له:
  هو يا سيدي شيخ الشعراء ومادحك، وآباؤه مدّاح آبائك، فأنشأ يقول:
  يا ليت [لي] ألف عين ... عيناي لا تكفيان
  فقلت له: سخنت عينك، أنا لي عين واحدة أدعو اللَّه عليها بالعمى منذ ستين سنة، أقول:
  يا عين أنت بليتني ... فأراحني الرحمن منك
  وأنت تتمنى ألف عين. ثم قال لي المتوكل: اهجه، فقلت: إن الرجل لم يعرض لي، فأقبل هو عليّ وقال:
  قل ما شئت، وما عسى أن تقول؟ فقلت:
  زاد البرد يومين ... فقال الناس: ما القصّه!
  فقلنا: أنشدونا شع ... ر مروان بن أبي حفصة
  / فتى من شهوة النّيك ... بحلقوم استه غصّه
  ولو يرمى ببطَّيخ ... لوافى دبره رصّه
  قال: فضحك المتوكل حتى صفق(١) برجليه الأرض، وأفحم مروان، ثم أمر لي بجائزة فأخذتها وانصرفت.
  يستدعيه المتوكل من اليمامة ويثيبه بعد أن مدحه:
  قال ابن أبي طاهر: حدّثني مروان بن أبي الجنوب قال: لما استخلف المتوكل بعثت إلى ابن أبي دواد بقصيدة مدحته فيها وذكرت فيها ابن الزيات ببيتين وهما:
  وقيل لي: الزيات لاقي حمامه ... فقلت: أتاني اللَّه بالفتح والنصر
(١) «المختار»: «حتى فحص برجليه الأرض».