خبر عبد الله بن يحيى وخروجه وقتله
  والعداوة لأعداء اللَّه. أيها الناس إنّ من رحمة اللَّه أن جعل في كلّ فترة بقايا من أهل العلم يدعون من ضلّ إلى الهدى، ويصبرون على الألم في جنب اللَّه تعالى، يقتلون على الحق في سالف الدهور شهداء، فما نسيهم ربّهم، «وما كان ربّك نسيّا». أوصيكم بتقوى اللَّه، وحسن القيام على ما وكلَّكم اللَّه بالقيام به، فأبلوا للَّه بلاء حسنا في أمره وزجره(١)، أقول قولي هذا، وأستغفر اللَّه لي ولكم.
  يوجه أتباعه إلى مكة:
  قالوا: وأقام عبد اللَّه بن يحيى بصنعاء أشهرا، يحسن السّيرة فيهم ويلين جانبه لهم ويكفّ عن الناس، فكثر جمعه، وأتته الشّراة من كل جانب، فلما كان وقت الحجّ وجّه أبا حمزة المختار بن عوف، وبلج بن عقبة، وأبرهة بن الصّبّاح إلى مكة في تسعمائة، وقيل: بل في ألف ومائة، وأمره أن يقيم بمكة إذا صدر الناس، ويوجّه بلجا إلى الشأم، وأقبل المختار إلى مكة، فقدمها يوم التّروية، وعليها عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك، وأمه بنت عبد اللَّه بن خالد بن أسيد، فكره قتالهم.
  هدنة بين المختار وعبد الواحد:
  وحدّثنا من هذا الموضع بخبر أبي حمزة محمد بن جرير الطَّبري، قال: حدّثنا العباس بن عيسى العقيلي(٢)، قال: حدّثنا هارون بن موسى العواري، قال: حدّثنا موسى بن كثير مولى الساعديّين، قال:
  كان أول أمر أبي / حمزة، وهو المختار بن عوف الأزدي ثم السّلميّ من أهل البصرة أنه كان يوافي في كلّ سنة يدعو إلى خلاف مروان بن محمد وآل مروان، فلم يزل يختلف كلّ سنة حتى وافى عبد اللَّه بن يحيى في آخر سنة، وذلك سنة ثمان وعشرين ومائة، فقال له: يا رجل، إني أسمع كلاما حسنا، وأراك تدعو إلى حق، فانطلق معي، فإني رجل مطاع في قومي، فخرج به، حتى ورد حضر موت، فبايعه أبو حمزة على الخلافة، قال: وقد كان مرّ أبو حمزة بمعدن بني سليم، وكثير / بن عبد اللَّه عامل على المعدن، فسمع بعض كلامه، فأمر به فجلد أربعين سوطا، فلما ظهر أبو حمزة بمكة تغيّب كثير حتى كان من أمره ما كان، ثم رجع إلى موضعه، قال: فلما كان في العام المقبل تمام سنة تسع وعشرين لم يعلم الناس بعرفة إلا وقد طلعت أعلام عمائم سود خرّميّة(٣) في رؤوس الرماح، وهم سبعمائة، هكذا قال: هذا.
  وذكر المدائني أنهم كانوا تسعمائة أو ألفا ومائة، ففزع الناس منهم حين رأوّهم، وقالوا لهم: ما لكم؟ وما حالكم؟ فأخبروهم بخلافهم مروان وآل مروان والتبرّي منهم.
  فراسلهم عبد الواحد بن سليمان، وهو يومئذ على المدينة ومكة والموسم، ودعاهم إلى الهدنة، فقالوا: نحن بحجّنا أضنّ وعليه أشحّ، فصالحهم على أنهم جميعا آمنون بعضهم من بعض، حتى ينفر الناس النّفر الأخير، وأصبحوا من غد، فوقفوا على حدة بعرفة، ودفع عبد الواحد بالناس، فلما كانوا بمنى قالوا لعبد الواحد: إنك قد
(١) ف: «وذكره».
(٢) ف: «العجلي».
(٣) في هج: «خرقية».