خبر عبد الله بن يحيى وخروجه وقتله
  عثمان على الناس، فخرجوا، فلما كانوا بالحرّة لقيتهم جزر منحورة، فمضوا، فلما كانوا بالعقيق تعلق لواؤهم بسمرة، فانكسر الرمح، وتشاءم الناس بالخروج، ثم ساروا، حتى نزلوا قديدا(١)، فنزلوها ليلا؛ وكانت قرية قديد من ناحية القصر والمنبر اليوم، وكانت الحياض هناك، فنزل قوم مغترّون ليسوا بأصحاب حرب، فلم يرعهم إلا القوم قد خرجوا عليهم من الفصل، فزعم بعض الناس أن خزاعة دلَّت أبا حمزة على عورتهم؛ وأدخلوهم عليهم، فقتلوهم، وكانت المقتلة على قريش، وهم كانوا أكثر الناس، وفيهم كانت الشوكة، فأصيب منهم عدد كثير.
  اليمانيون يشمتون بقريش:
  قال العباس: قال هارون: فأخبرني بعض أصحابنا:
  أنّ رجلا من قريش نظر إلى رجل من أهل اليمن يقول: الحمد للَّه الذي أقرّ عيني بمقتل قريش، فقال له ابنه:
  الحمد للَّه الذي أذلَّهم بأيدينا، فما كانت قريش تظنّ أن من نزل على عمان من الأزد عربيّ، قال: وكان هذان الرجلان مع أهل المدينة، فقال القرشي لابنه: يا بني، هلمّ نبدأ بهذين الرجلين، قال: نعم يا أبت، فحملا عليهما، فقتلاهما، ثم قال لابنه: أي بنيّ تقدّم، فقاتلا. حتى قتلا.
  وقال المدائني: القرشي كان عمارة بن حمزة بن مصعب بن الزبير، والمتكلَّم بالكلام مع ابنه رجل من الأنصار. قال: ثم ورد فلَّال(٢) الجيش المدينة، وبكى الناس قتلاهم، فكانت المرأة تقيم على حميمها النّواح، فلا تزال المرأة يأتيها الخبر بمقتل حميمها، فتنصرف، حتى ما يبقى عندها امرأة، فأنشدني أبو حمزة(٣) هذه الأبيات في قتلى قديد الذين أصيبوا من قومه لبعض أصحابه(٤):
  /
  يا لهف نفسي ولهف غير نافعة ... على فوارس بالبطحاء أنجاد
  عمرو وعمرو وعبد اللَّه بينهما ... وابناهما خامس والحارث السادي(٥)
  جيش من الأغمار يحارب الخوارج:
  قال المدائني في خبره: كتب عبد الواحد بن سليمان إلى مروان يعتذر من إخراجه عن مكة، فكتب مروان إلى عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز - وهو عامله على المدينة - يأمره بتوجيه الجيش إلى مكة، فوجّه ثمانية آلاف رجل من قريش والأنصار والتجار، أغمار(٦) لا علم لهم بالحرب، فخرجوا في الصبّغات والثياب الناعمة واللهو، لا يظنّون أن للخوارج شوكة ولا يشكون أنهم في أيديهم.
(١) قديد: موضع قرب المدينة.
(٢) فلال: كرمان جمع فل وهم المنهزمون في الجيش ويجمع فل أيضا على فلول.
(٣) ف: «أبو ضمرة».
(٤) ف: «لبعض أصحابهم».
(٥) السادس قلبت السين الأخيرة ياء قلبا غير مطرد.
(٦) في س، ب «أغبياء» ومعنى أغمار: أنهم غير مجوبين.