كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

خبر عبد الله بن يحيى وخروجه وقتله

صفحة 167 - الجزء 23

  يبيع جلد الدب قبل صيده:

  وقال رجل من قريش: لو شاء أهل الطائف لكفونا أمر هؤلاء، ولكنهم داهنوا في أمر اللَّه تعالى، واللَّه إن ظفرنا لنسيرنّ إلى أهل الطائف، فلنسبينّهم، ثم قال: من يشتري مني سبي أهل الطائف؟ فلما انهزم الناس رجع ذلك الرجل القائل: من يشتري منّي سبي أهل الطائف في أول المنهزمين، فدخل منزله، / وأراد أن يقول لجاريته:

  أغلقي الباب، فقال لها: غاق باق دهشا، ولم تفهم الجارية قوله، حتى أومأ إليها بيده، فأغلقت الباب، فلقّبه أهل المدينة بعد ذلك «غاق باق».

  أموي وقريشي:

  قال: وكان عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز يعرض الجيش بذي الحليفة، فمرّ به أميّة بن عنبسة بن سعيد بن العاص، فرحّب به، وضحك إليه، ومرّ به عمارة بن حمزة بن مصعب بن الزبير، فلم يكلَّمه، ولم يلتفت إليه، فقال له عمران بن عبد اللَّه بن مطيع - وكان ابن خالته، أمّا هما ابنتا عبد اللَّه بن خالد بن أسيد -: سبحان اللَّه! مر بك شيخ من شيوخ قريش، فلم تنظر إليه، ولم تكلَّمه، ومرّ بك غلام من بني أمية، فضحكت إليه ولاطفته! أما واللَّه لو قد التقى الجمعان لعلمت أيّهما أصبر؟ قال: فكان أمية بن / عنبسة أوّل من انهزم، ونكَّب فرسه ومضى، وقال لغلامه:

  يا مجيب، أما واللَّه لئن أحزرت⁣(⁣١) نفسي هذه الأكلب من الشّراة إني لعاجز. وقاتل يومئذ عمارة بن حمزة بن مصعب، حتى قتل، وتمثّل:

  وإني إذا ضنّ الأمير بإذنه ... على الأذن من نفسي إذا شئت قادر

  والشعر للأغرّ بن حمّاد اليشكري.

  أبو حمزة يحمس أصحابه:

  قال: ولما بلغ أبا حمزة إقبال أهل المدينة إليه استخلف على مكة إبراهيم⁣(⁣٢) بن الصبّاح، وشخص إليهم، وعلى مقدمته بلج بن عقبة، فلما كان في الليلة التي وافاهم في صبيحتها - وأهل المدينة نزول بقديد - قال لأصحابه: إنكم لاقو قومكم غدا، وأميرهم - فيما بلغني - ابن عثمان أول من خالف سيرة الخلفاء، وبدّل سنة رسول اللَّه وقد وضح الصبح لذي عينين، فأكثروا ذكر اللَّه تعالى، وتلاوة القرآن، ووطَّنوا أنفسكم على الصّبر. وصبّحهم غداة الخميس لتسع أو لسبع خلون من صفر سنة ثلاثين ومائة، فقال عبد العزيز لغلامه: أبغنا علفا قال: هو غال، قال: ويحك! البواكي علينا غدا أغلى.

  رسول أبي حمزة إلى أهل المدينة:

  وأرسل إليهم أبو حمزة بلج بن عقبة؛ ليدعوهم، فأتاهم في ثلاثين راكبا، فذكَّرهم اللَّه؛ وسألهم أن يكفّوا عنهم؛ وقال⁣(⁣٣) لهم: خلَّوا لنا سبيلنا؛ لنسير إلى من ظلمكم؛ وجار في الحكم عليكم؛ ولا تجعلوا حدّنا بكم؛ فإنا لا نريد قتالكم؛ فشتمهم أهل المدينة، وقالوا: يا أعداء اللَّه، أنحن نخلَّيكم وندعكم تفسدون في الأرض! فقالت


(١) ب: «أجزرت».

(٢) في هج: «أبرهة».

(٣) وفي س، ب: «قالوا».