خبر عبد الله بن يحيى وخروجه وقتله
  الخوارج: يا أعداء اللَّه، أنحن نفسد في الأرض! إنما خرجنا لنكفّ أهل الفساد، ونقاتل من قاتلنا واستأثر بالفيء فانظروا لأنفسكم، واخلعوا من لم يجعل اللَّه له طاعة، فإنه / لا طاعة لمن عصى اللَّه، وادخلوا في السّلم، وعاونوا أهل الحقّ، فقال له(١) عبد العزيز: ما تقول في عثمان؟ قال: قد برئ المسلمون منه قبلي، وأنا متّبع آثارهم، ومقتد بهم، قال: فارجع إلى أصحابك، فليس بيننا وبينهم إلا السيف.
  الآن حلت لكم دماؤهم:
  فرجع إلى أبي حمزة، فأخبره، فقال: كفّوا عنهم، ولا تقاتلوهم. حتى يبدؤكم بالقتال، فواقفوهم، ولم يقاتلوهم. فرمى رجل من أهل المدينة في عسكر أبي حمزة بسهم، فجرح رجلا، فقال أبو حمزة: شأنكم الآن بهم، فقد حلّ قتالهم: فحملوا عليهم، وثبت بعضهم لبعض، وراية قريش مع إبراهيم بن عبد اللَّه بن مطيع.
  ثم انكشف أهل المدينة، فلم يتبعوهم، وكان على مجنّبتهم ضمير بن صخر بن أبي الجهم بن حذيفة، فكرّ وكرّ الناس معه، فقاتلوا قليلا، ثم انهزموا، فلم يبعدوا. حتى كرّوا ثالثة، وقاتلهم أبو حمزة، فهزمهم هزيمة / لم تبق منهم باقية، فقال له عليّ بن الحصين: أتبع القوم، أو دعني أتبعهم، فأقبل المدبر، وأذفّف(٢) على الجريح، فإن هؤلاء أشرّ علينا من أهل الشأم، فلو قد جاؤوك غدا لرأيت من هؤلاء ما تكره، فقال: لا أفعل، ولا أخالف سيرة أسلافنا. وأخذ جماعة منهم أسراء، فأراد إطلاقهم، فمنعه عليّ بن الحصين، وقال له: إنّ لأهل كلّ زمان سيرة، وهؤلاء لم يؤسروا وهم هرّاب، وإنما أسروا وهم يقاتلون، ولو قتلوا في ذلك الوقت لم يحرم قتلهم، وكذلك الآن قتلهم حلال، فدعا بهم، فكان إذا رأى رجلا من قريش قتله، وإذا رأى رجلا من الأنصار أطلقه، فأتي بمحمد بن عبد اللَّه بن عمرو بن عثمان، فنسبه. فقال: أنا رجل من الأنصار، فسأل الأنصار عنه، فشهدوا له، فأطلقه، فلما ولَّى قال: واللَّه إني لأعلم أنه قرشيّ وما حذاوه(٣) هذا حذاوة أنصاريّ، ولكن قد أطلقته. / قال: وبلغت قتلى قديد ألفين ومائتين وثلاثين رجلا، منهم من قريش أربعمائة وخمسون رجلا، ومن الأنصار ثمانون، ومن القبائل والموالي ألف وسبعمائة، قال: وكان في قتلى قريش من بني أسد بن عبد العزّى أربعون رجلا، وقتل يومئذ أمية بن عبد اللَّه بن عمرو بن عثمان، خرج يومئذ مقنّعا، فما كلَّم أحدا، وقاتل حتى قتل، وقتل يومئذ سميّ مولى أبي بكر الذي يروي عنه مالك بن أنس، ودخل بلج المدينة بغير حرب، فدخلوا في طاعته، وكف عنهم، ورجع أبو حمزة إلى مكة، وكان على شرطته أبو بكر بن عبد اللَّه بن عمرو من آل سراقة من بني عديّ، فكان أهل المدينة يقولون: لعن اللَّه السّراقيّ، ولعن بلجا العراقي.
  نائحة المدينة تبكي قتلى قديد:
  وقالت نائحة أهل المدينة تبكيهم:
  ما للزمان وماليه ... أفنت قديد رجاليه
  فلأبكينّ سريرة ... ولأبكينّ علانيه
(١) ضمير «له» يعود على بلج بن عتبة، وإن لم يتقدم ذكره.
(٢) أذفف: أجهز.
(٣) حذاوة: شبه.