كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

خبر عبد الله بن يحيى وخروجه وقتله

صفحة 177 - الجزء 23

  فجرة؛ ولو قدم عليك ابن عطية لكانوا أشدّ عليك منه؛ فقال: لا أرى ذلك؛ لأنهم قد دخلوا في الطاعة؛ وأقروا بالحكم؛ ووجب لهم حقّ الولاية؛ قال: إنهم سيغدرون؛ فقال: أبعدهم اللَّه، {فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِه ِ}⁣(⁣١). قال: وقدم عبد الملك بن عطية مكة، فصيّر أصحابه فرقتين، ولقي الخوارج من وجهين؛ فصيّر طائفة بالأبطح؛ وصار هو في الطائفة الأخرى بإزاء أبي حمزة؛ فصار أبو حمزة أسفل مكة؛ وصيّر أبرهة بن الصّباح بالأبطح في ثمانين فارسا، فقاتلهم أبرهة؛ فانهزم أهل الشأم إلى عقبة مني؛ فوقفوا عليها؛ ثم كرّوا؛ وقاتلهم؛ فقتل أبرهة: كمن له هبّار القرشيّ؛ وهو على جبل دمشق عند بئر ميمون؛ فقتله؛ وتفرق الخوارج؛ وتبعهم أهل الشأم يقتلونهم؛ حتى دخلوا المسجد، والتقى أبو حمزة وابن عطية بأسفل مكة؛ فخرج أهل مكة مع ابن عطية؛ فقتل أبو حمزة على فم الشّعب وقتلت معه امرأته؛ وهي ترتجز وتقول:

  أنا الجعيداء وبنت الأعلم ... من سال عن اسمي فاسمي مريم

  بعت سواريّ بسيف مخذم⁣(⁣٢)

  صلب أبي حمزة وأبرهة:

  قال: وتفرّقت الخوارج فأسر أهل الشام منهم أربعمائة؛ فدعا بهم ابن عطية؛ فقال: ويلكم! ما دعاكم إلى الخروج مع هذا؟ قالوا: ضمن لنا الكنّة: يريدون الجنّة، وهي لغتهم، فقتلهم، وصلب أبا حمزة وأبرهة بن الصبّاح ورجلين من أصحابهم على فم / الشّعب؛ شعب / الخيف، ودخل علي بن الحصين دارا من دور قريش، فأحدق أهل الشام بالدار فأحرقوها، فلما رأى ذلك رمى بنفسه من الدار، فقاتلهم وأسر فقتل، وصلب مع أبي حمزة، ولم يزالوا مصلَّبين حتى أفضى الأمر إلى بني العباس، وحجّ مهلهل الهجيميّ في خلافة أبي العباس، فأنزل أبا حمزة ليلا، فدفنه، ودفن خشبته.

  مصرع مخنثين:

  قال المدائني: وكان بمكة مخنثّان، يقال لأحدهما: سبكت، وللآخر: صقرة⁣(⁣٣)، فكان صقرة يرجف بأهل الشام، وكان سبكت يرجف بالإباضية، فعرف الخوارج أمرهما، فوجهوا إلى سبكت، فأخذوه فقتلوه، فقال صقرة:

  يا ويله هو واللَّه أيضا مقتول، وإنما كنت أنا وسبكت نتكايد ونتكاذب، فقتلوه، وغدا يجيء أهل الشام، فيقتلونني، فلما دخل ابن عطية مكة عرف خبرهما، فأخذ صقرة، فقتله.

  مذهب ابن عطية:

  وقال هارون في خبره: أخبرني عبد الملك بن الماجشون، قال:

  لما التقى أبو حمزة وابن عطية قال أبو حمزة: لا تقاتلوهم حتى تختبروهم فصاح بهم: ما تقولون في القرآن والعمل به؟ فصاح ابن عطية: نضمه في جوف الجوالق⁣(⁣٤)، قال: فما تقولون في مال اليتيم؟ قال: نأكل ماله؛


(١) الفتح: ١٠.

(٢) مخذم: قاطع.

(٣) ف: «يقال لأحدهما سبكت وللآخر صعترة».

(٤) الجوالق - بضم الجيم وكسرها وفتح اللام وكسرها: الوعاء وجمعه جوالق والمراد به (الشوال).