خبر عبد الله بن يحيى وخروجه وقتله
  ونفجر بأمّه، [ثم أجاب](١) في أشياء بلغني أنه سأله عنها؛ فلما سمعوا كلامهم قاتلوهم؛ حتى أمسوا؛ فصاحت الشّراة: ويحك، يا بن عطية! إن اللَّه - جل وعز - قد جعل الليل سكنا؛ فاسكن ونسكن؛ فأبى وقاتلهم؛ حتى قتلهم جميعا.
  أهل المدينة يجهزون على من بقي منهم:
  قال هارون: أخبرني موسى بن كثير أن أبا حمزة خطب أهل المدينة؛ وودّعهم؛ ليخرج إلى الحرب؛ فقال:
  يا أهل المدينة؛ إنا خارجون لحرب مروان؛ فإن نظهر / نعدل في أحكامكم؛ ونحملكم على سنّة نبيكم، ونقسم بينكم، وإن يكن ما تمنّون لنا فسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون، قال: ووثب الناس على أصحابه حين جاءهم قتله، فقتلوهم، فكان بشكست ممن قتلوا، طلبوه فرقي في درجة كانت في دار أذينة، فلحقوه فأنزلوه منها، وهو يصيح: يا عباد اللَّه، فيم تقتلونني؟
  قال: وأنشدني بعض أصحابنا:
  لقد كان بشكست عبد العزيز ... من أهل القراءة والمسجد
  فبعدا لبشكست عبد العزيز ... وأمّا القرآن فلا يبعد
  سحقا للشاري والشامي معا:
  قال هارون: وأخبرني بعض أصحابنا أنه رأى رجلا واقفا على سطح يرمي بالحجارة فقيل: ويلك! أتدري من ترمي مع اختلاط الناس؟ قال: واللَّه ما أبالي من رميت؟ إنما هو شام وشار، واللَّه ما أبالي أيّهما قتلت!
  مصرع طالب الحق:
  وقال المدائني: لما قتل ابن عطية أبا حمزة بعث برأسه مع عروة بن زيد بن عطية إلى مروان، وخرج إلى الطائف، فأقام بها شهرين، وتزوج بنت محمد بن عبد اللَّه بن أبي سويد الثقفي؛ واستعمل على مكة روميّ بن عامر المرّي، وأتي فلّ أبي حمزة إلى عبد اللَّه بن يحيى بصنعاء. فأقبل معه أصحابه. - وقد لقبوه طالب الحق - يريد قتال ابن عطية، وبلغ ابن عطية خبره، فشخص إليه، فالتقوا بكسة(٢)، فأكثر أهل الشام القتل فيهم، وأخذوا أثقالهم وأموالهم، وتشاغلوا بالنّهب، فركب عبد اللَّه بن يحيى فكشفهم، فقتل منهم نحو مائة رجل، وقتل قائد من قوّادهم يقال له: يزيد بن حمل القشيريّ من أهل قنّسرين، فدمرهم(٣) ابن عطية، فكرّوا، وانضم بعضهم إلى بعض. وقاتلوا حتى أمسوا، فكفّ / بعضهم عن بعض، ثم التقوا من غد في موضع كثير الشجر / والكرم والحيطان، فطال القتال بينهم، واستحرّ القتل في الشّراة، فترجّل عبد اللَّه بن يحيى في ألف فارس؛ فقاتلوا، حتى قتلوا جميعا عن آخرهم؛ وانهزم الباقون؛ فترّقوا في كلّ وجه. ولحق من نجا منهم بصنعاء؛ وولَّوا عليهم حمامة(٤) فقال أبو صخر الهذليّ:
(١) زيادة يقتضيها المقام.
(٢) في ف: «فالتقوا بكثبة» وهي موضع.
(٣) دمرهم: عنفهم.
(٤) في هج: «حمانة» بالنون.