كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر الغريض وأخباره

صفحة 594 - الجزء 2

  فقمت وتوضّأت وصلَّيت وحلبت إبلي وأعانني عليها وهو أظهر الناس سرورا، ثمّ دعوته إلى الغداء فتغدّى، ثم قام إلى عيبته فافتتحها فإذا فيها سلاح وبردان مما كسته الملوك، فأعطاني أحدهما وقال: أما واللَّه لو كان معي شيء ما ذخرته عنك، وحدّثني حديثه وانتسب لي، فإذا هو⁣(⁣١) جميل بن معمر والمرأة بثينة، وقال لي: إني قد قلت أبياتا في منصرفي⁣(⁣٢) من عندها، فهل لك إن رأيتها أن تنشدها⁣(⁣٣)؟ قلت: نعم! فأنشدني:

  وما أنس م الأشياء لا أنس قولها ... وقد قرّبت نضوي أمصر تريد

  الأبيات، ثم ودّعني وانصرف، فمكثت حتّى أخذت الإبل مراتعها⁣(⁣٤)، ثم عمدت إلى دهن كان معي فدهنت به رأسي، ثم ارتديت بالبرد وأتيت المرأة فقلت: السلام عليكم، إنّي جئت أمس طالبا واليوم زائرا، أفتأذنون؟

  قالت: نعم، فسمعت جويرية تقول لها: يا بثينة، عليه واللَّه برد جميل؛ فجعلت أثني على ضيفي وأذكر فضله، وقلت: إنّه ذكرك فأحسن⁣(⁣٥) الذكر، فهل أنت بارزة لي حتّى أنظر إليك؟ قالت: نعم، فلبست ثيابها ثم برزت ودعت لي بطرف⁣(⁣٦) ثم قالت: يا أخا بني تميم، واللَّه ما ثوباك هذان بمشتبهين، ودعت بعيبتها فأخرجت لي ملحفة مرويّة⁣(⁣٧) مشبعة / من العصفر، ثم قالت: أقسمت عليك لتقومنّ إلى كسر البيت ولتخلعنّ مدرعتك⁣(⁣٨) ثم لتأتزرنّ⁣(⁣٩) بهذه الملحفة فهي⁣(⁣١٠) أشبه ببردك؛ ففعلت ذلك وأخذت مدرعتي بيدي فجعلتها إلى جانبي، / وأنشدتها⁣(⁣١١) الأبيات فدمعت عيناها، وتحدّثنا طويلا من النهار، ثم انصرفت إلى إبلي بملحفة بثينة وبرد جميل ونظرة من بثينة. قال معبد: فجزيت الشيخ خيرا وانصرفت من عنده وأنا واللَّه أحسن الناس حالا بنظرة من الغريض واستماع لغنائه، وعلم بحديث جميل وبثينة فيما غنّيت أنا به وفيما غنّى به الغريض على حقّ ذلك وصدقه، فما رأيت ولا سمعت بزوجين قطَّ أحسن من جميل وبثينة، ومن الغريض ومنّي.

  نسبة هذه الأصوات التي ذكرت في هذا الخبر

  وهي كلها من قصيدة واحدة.

  منها:


(١) كذا في أ، م، ح. وفي باقي النسخ: «وإذا هو ... الخ» بالواو.

(٢) كذا في أغلب الأصول وفيء، هامش ط: «أبياتا في إتيانها بعد منصرفي» وكتب بجانبها كلمة «صح».

(٣) في أ، م، ح، ط: «فهل لك أن تأتيها فتنشدها».

(٤) كذا في أغلب النسخ. وفي أ، م: «مراعيها».

(٥) في أ، م، ح: «بأحسن الذكر».

(٦) كذا في أ، م، ح، ط. وفي باقي الأصول: «بمطرف».

(٧) الملحفة (بالكسر): اللباس الذي فوق اللباس من دثار البرد ونحوه، ومروية: نسبة إلى «مرو»: بلدة بفارس. والنسبة إليها «مروى» (بالفتح وبالتحريك) و «مروزي» بزيادة الزاي. وفي ط: «ملحفة هروية». وهذه نسبة إلى هراة: مدينة من أعظم مدن خراسان حضارة وكثرة سكان.

(٨) المدرعة: ضرب من الثياب، ولا تكون إلا من الصوف.

(٩) في ط: «لتتزرن» انظر الحاشية رقم ٣ ص ٣٩٠ من هذا الجزء.

(١٠) كذا في أ، م، ح. وفي بقية الأصول: «وهي».

(١١) في أ، م، ح: «ثم أنشدتها».