خبر وقعة ذي قار
  كسرى قد أطعمه ثلاثين(١) قرية على شاطئ الفرات، فأتاه(٢) في صنائعه من العرب الذين كانوا بالحيرة، فاستشاره في الغارة على بكر بن وائل، وقال: ماذا ترى؟ وكم ترى أن نغزيهم من الناس؟ فقال له إياس: إن الملك لا يصلح أن يعصيه(٣) أحد من رعيته، وإن تطعني لم تعلم أحدا(٤) لأيّ شيء عبرت / وقطعت(٥) الفرات، فيروا أنّ شيئا من أمر(٦) العرب قد كربك(٧)، ولكن ترجع وتضرب عنهم، وتبعث عليهم العيون حتى ترى غرّة(٨) منهم ثم ترسل حلبة(٩) من العجم فيها بعض القبائل التي تليهم، فيوقعون بهم وقعة الدّهر، ويأتونك بطلبتك. فقال له كسرى: أنت رجل من العرب، وبكر بن وائل أخوالك - وكانت أمّ إياس(١٠): أمامة بنت مسعود، أخت هانئ بن مسعود(١١) - فأنت تتعصّب لهم، ولا تألوهم نصحا(١٢). فقال إياس: رأي الملك أفضل(١٣) فقام إليه عمرو بن عديّ ابن زيد العباديّ - وكان كاتبه وترجمانه بالعربية، في أمور العرب(١٤) - فقال له: أقم(١٥) أيّها الملك - وابعث إليهم بالجنود يكفوك. فقام(١٦) إليه النّعمان بن زرعة بن هرميّ، من ولد السّفّاح التّغلبيّ، فقال(١٧): أيّها الملك، إنّ هذا الحيّ من بكر بن وائل إذا قاظوا(١٨) بذي قار تهافتوا تهافت الجراد في النّار. فعقد للنّعمان بن زرعة على تغلب والنّمر(١٩)، وعقد لخالد بن يزيد البهرانيّ على قضاعة وإياد، وعقد لإياس بن قبيصة على / جميع العرب، ومعه كتيبتاه الشّهباء والدّوسر، فكانت العرب ثلاثة آلاف. وعقد للهامرز على ألف من الأساورة(٢٠)، وعقد لخنابرين(٢١) على ألف، وبعث معهم بالَّلطيمة، وهي عير كانت تخرج من العراق، فيها البزّ والعطر والألطاف(٢٢)، توصل إلى
(١) خد: «ثمانين».
(٢) «المختار»: «فأتى».
(٣) «المختار»: «أن يغضبه».
(٤) خد: «لم يعلم أحد».
(٥) «التجريد»: «لأي شيء قطعت الفرات».
(٦) ج، س: «أن شيئا من العرب». وما أثبتناه من ف، وخد. وفي «المختار»: «أن أمر العرب» في خد و «المختار والتجريد»: «فيرون»، بالرفع. والنصب هنا أرجح بعد فاء السببية المجاب بها نفي.
(٧) خد و «التجريد»: كرشك، أي غمك.
(٨) «المختار»: «منهم غرة».
(٩) ج، خد: «حبيلة». ف: خيله. «التجريد»: خيلا. «المختار»: كتيبة.
(١٠) وكانت أم إياس ... : وردت في «المختار» بعد قوله: نصحا.
(١١) في «التجريد»: أخت هانئ. دون ذكر ابن مسعود.
(١٢) «التجريد»: «ولا تألوهم جهدا في المناصحة».
(١٣) «المختار»: «الملك أفضل رأيا».
(١٤) «في أمور العرب» لم تذكر في ف ولا «التجريد».
(١٥) ف: فقال: أقم.
(١٦) «التجريد»، ف: وقام.
(١٧) «المختار»: فقال له.
(١٨) قاظوا بالمكان: أقاموا به في الصيف.
(١٩) ف، «التجريد»: واليمن. وعند القيادة هنا على القبائل.
(٢٠) الأساوره: جمع أسوار (بضم الهمزة وكسرها) وهو الفارس المقاتل من جنود الفرس.
(٢١) في «التجريد»: وعقد لآخر. وفي «المختار»: لخنازرين، وفي ف: لخنابرزين. وفي خد: للخلابزين. «وفي معجم البلدان»:
خناير، والصواب ما أثبتنا.
(٢٢) الألطاف: جمع لطف (بفتحتين) وهو الهدية والتحفة، يقال أهدى إليه لطفا، وما أكثر تحفه وألطافه.